* الشّرط الثّالث: الغنى - ويعبّر عنه باليسار - لحديث «من كان له سعةٌ ولم يضحّ فلا يقربنّ مصلاّنا» والسّعة هي الغنى، ويتحقّق عند الحنفيّة بأن يكون في ملك الإنسان مائتا درهمٍ أو عشرون ديناراً، أو شيءٌ تبلغ قيمته ذلك، سوى مسكنه وحوائجه الأصليّة وديونه. وقال المالكيّة: يتحقّق الغنى بألاّ تجحف الأضحيّة بالمضحّي، بألاّ يحتاج لثمنها في ضروريّاته في عامه. وقال الشّافعيّة: إنّما تسنّ للقادر عليها، وهو من ملك ما يحصل به الأضحيّة، فاضلاً عمّا يحتاج إليه في يوم العيد وليلته وأيّام التّشريق الثّلاثة ولياليها.
* الشّرطان الرّابع والخامس: البلوغ والعقل، وهذان الشّرطان اشترطهما محمّدٌ وزفر، ولم يشترطهما أبو حنيفة وأبو يوسف، فعندهما تجب التّضحية في مال الصّبيّ والمجنون إذا كانا موسرين، فلو ضحّى الأب أو الوصيّ عنها من مالهما لم يضمن في قول أبي حنيفة وأبي يوسف، ويضمن في قول محمّدٍ وزفر، وهذا الخلاف كالخلاف في صدقة الفطر.
*متفرقات* والّذي يجنّ ويفيق يعتبر حاله في الجنون والإفاقة، فإن كان مجنوناً في أيّام النّحر فهو على الاختلاف، وإن كان مفيقاً وجبت من ماله بلا خلافٍ، وقيل: إنّ حكمه حكم الصّحيح كيفما كان. وهذا الّذي قرّره صاحب " البدائع " يقتضي برجيح القول بالوجوب، لكن صحّح صاحب الكافي القول بعدم الوجوب ورجّحه ابن الشّحنة واعتمده صاحب " الدّرّ المختار " ناقلاً عن متن " مواهب الرّحمن " أنّه أصحّ ما يفتى به، وقال ابن عابدين: إنّ هذا القول اختاره صاحب الملتقى حيث قدّمه، وعبّر عن مقابله بصيغة التّضعيف، وهي " قيل ". هذا كلّه رأي الحنفيّة. وقال المالكيّة: لا يشترط في سنّيّة التّضحية البلوغ ولا العقل، فيسنّ للوليّ التّضحية عن الصّغير والمجنون من مالهما، ولو كانا يتيمين. وقال الشّافعيّة: لا يجوز للوليّ أن يضحّي عن محجوريه من أموالهم، وإنّما يجوز أن يضحّي عنهم من ماله إن كان أباً أو جدّاً، وكأنّه ملكها لهم وذبحها عنهم، فيقع له ثواب التّبرّع لهم، ويقع لهم ثواب التّضحية. وقال الحنابلة في اليتيم الموسر: يضحّي عنه وليّه من ماله، أي مال المحجور، وهذا على سبيل التّوسعة في يوم العيد لا على سبيل الإيجاب.
** هذا وقد انفرد المالكيّة بذكر شرطٍ لسنّيّة التّضحية، وهو ألاّ يكون الشّخص حاجّاً، فالحاجّ لا يطالب بالتّضحية شرعاً، سواءٌ، أكان بمنًى أم بغيرها، وغير الحاجّ هو المطالب بها، وإن كان معتمراً أو كان بمنًى. وعند الحنفيّة لا تجب على حاجٍّ مسافرٍ.
** هذا وليست الذّكورة ولا المصر من شروط الوجوب ولا السّنّيّة، فكما تجب على الذّكور تجب على الإناث، وكما تجب على المقيمين في الأمصار تجب على المقيمين في القرى والبوادي، لأنّ أدلّة الوجوب أو السّنّيّة شاملةٌ للجميع.
تضحية الإنسان من ماله عن ولده:
* إذا كان الولد كبيراً فلا يجب على أبيه أو جدّه التّضحية عنه، أمّا الولد وولد الولد الصّغيران فإن كان لهما مالٌ فقد سبق الكلام عن ذلك، وإن لم يكن لهما مالٌ، فعن أبي حنيفة في ذلك روايتان:
أولاهما: أنّها لا تجب، وهو ظاهر الرّواية، وعليه الفتوى، لأنّ الأصل أنّه لا يجب على الإنسان شيءٌ عن غيره، وخصوصاً القربات، لقوله تعالى {وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى}. وقوله جلّ شأنه {لها ما كسبت}. ولهذا لم تجب عليه عن ولده وولد ولده الكبيرين.
ثانيتهما: أنّها تجب، لأنّ ولد الرّجل جزؤه وكذا ولد ابنه، فإذا وجب عليه أن يضحّي عن نفسه وجب عليه أن يضحّي عن ولده وولد ابنه قياساً على صدقة الفطر. ثمّ على القول بظاهر الرّواية - وهو عدم الوجوب - يستحبّ للإنسان أن يضحّي عن ولده وولد ابنه الصّغيرين من مال نفسه، والمقصود بولد ابنه هو اليتيم الّذي تحت ولاية جدّه. وهذا موافقٌ لما سبق من مذهب الجمهور.
شروط صحّة الأضحيّة
* للتّضحية شرائط تشملها وتشمل كلّ الذّبائح
وشرائط تختصّ بها،
وهي ثلاثة أنواعٍ: نوعٌ يرجع إلى الأضحيّة، ونوعٌ يرجع إلى المضحّي، ونوعٌ يرجع إلى وقت التّضحية.
النّوع الأوّل: شروط الأضحيّة في ذاتها:
¥