الْمُنَاوَلَةَ مَعَ قُدْرَتِهِ صَحَّتْ الِاسْتِنَابَةُ وَأَجْزَأَهُ رَمْيُ النَّائِبِ لِوُجُودِ الْعَجْزِ عَنْ الرَّمْيِ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الطَّرِيقَتَيْنِ: وَيَجُوزُ لِلْمَحْبُوسِ الْمَمْنُوعِ مِنْ الرَّمْيِ الِاسْتِنَابَةُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِهِ , وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ , وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ عَاجِزٌ. "
* قال ابن قدامة ـ وهو حنبلي ـ:
" إذَا كَانَ الرَّجُلُ مَرِيضًا , أَوْ مَحْبُوسًا , أَوْ لَهُ عُذْرٌ , جَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَرْمِي عَنْهُ. قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: إذَا رُمِيَ عَنْهُ الْجِمَارُ , يَشْهَدُ هُوَ ذَاكَ أَوْ يَكُونُ فِي رَحْلِهِ؟ قَالَ: يُعْجِبُنِي أَنْ يَشْهَدَ ذَاكَ إنْ قَدَرَ حِينَ يُرْمَى عَنْهُ. قُلْت: فَإِنْ ضَعُفَ عَنْ ذَلِكَ , أَيَكُونُ فِي رَحْلِهِ وَيَرْمِي عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. "
حقيقة النفر
لا بد قبل أن نتكلم عن حكم النفر أن نبين حقيقته، وقد تبين لنا من كلام الفقهاء أن حقيقة النفر تشتمل على أمور عدة، لا يصح النفر بدونها، وهي:
1 ـ نية النفر.
وقد صرح الفقهاء باشتراط النية ـ كما سيأتي ـ ودل على اشتراطها أيضا تعبيرهم بلفظ (أراد) والإرادة تتضمن النية وتستلزمها، كما يدل على اشتراطها قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه "
ولا يتخيل في الواقع أن يوجد عمل دون نية، كما صرح بذلك الفقهاء، والنفر الذي نحن بصدد التكلم عنه، إما أن يكون بنية الخروج وعدم العود، وإما أن يكون بنية الخروج مع العزم على العود.
2 ـ مقارنة النية للنفر.
قال العبادي في حاشيته على التحفة عند قول ابن حجر (لا بد من نية النفر مقارنة له):
" (قَوْلُهُ: مُقَارِنَةً لَهُ) قَدْ يُقَالُ مَا مَأْخَذُ الْمُقَارَنَةِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (بَصْرِيٌّ) قَالَ الْكُرْدِيُّ عَلَى بَا فَضْلٍ: مَأْخَذُهَا اشْتِرَاطُ نِيَّةِ النَّفْرِ ; لِأَنَّ حَقِيقَةَ النِّيَّةِ قَصْدُ الشَّيْءِ مُقْتَرِنًا بِفِعْلِهِ ا هـ. "
4 ـ أن لا ينوي العود عند نفره.
قال ابن حجر:
" وَلَوْ نَفَرَ لِعُذْرٍ , أَوْ غَيْرِهِ بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَيْسَ فِي عَزْمِهِ الْعَوْدُ لِلْمَبِيتِ ثُمَّ عَادَ لَهَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَبِيتُ وَلَا الرَّمْيُ إنْ بَاتَ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الْغَزِّيِّ هُنَا مَا لَا يَصِحُّ فَاحْذَرْهُ أَمَّا إذَا كَانَ فِي عَزْمِهِ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ الْعَوْدُ وَلَمْ تَنْفَعْهُ نِيَّةُ النَّفْرِ ; لِأَنَّهُ مَعَ عَزْمِهِ الْعَوْدَ لَا يُسَمَّى نَفْرًا "
قال ابن قاسم العبادي -رحمه الله- في حاشيته على الغرر البهية في شرح البهجة الوردية:
" قَالَ الْمَدَنِيُّ لِجَوَازِ النَّفْرِ الْأَوَّلِ ثَمَانِيَةُ شُرُوطٍ لَكِنَّهَا تَعُودُ لِخَمْسَةٍ لِدُخُولِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ: أَنْ يَنْفِرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَأَنْ يَكُونَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَأَنْ يَكُونَ بَعْدَ جَمِيعِ الرَّمْيِ، وَأَنْ يَكُونَ قَدْ بَاتَ اللَّيْلَتَيْنِ قَبْلَهُ بِمِنًى أَوْ تَرَكَهُمَا لِعُذْرٍ، وَأَنْ يَنْوِيَ النَّفْرَ وَأَنْ يَكُونَ نِيَّةُ النَّفْرِ مُقَارِنَةً لَهُ وَإِلَّا لَمْ يُعْتَدَّ بِخُرُوجِهِ فَيَلْزَمُهُ الْعَوْدُ، وَهَذَا دَاخِلٌ فِي نِيَّةِ النَّفْرِ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ النِّيَّة:ِ الْقَصْدُ الْمُقَارِنُ، وَأَنْ يَكُونَ نَفْرُهُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ ذِكْرُ الْيَوْمِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي عَزْمِهِ الْعَوْدُ إلَى الْمَبِيتِ وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ ذِكْرُ النَّفْرِ ; لِأَنَّهُ مَعَ الْعَزْمِ عَلَى الْعَوْدِ لَا يُسَمَّى نَفْرًا "
4 ـ أن تكون نية النفر داخل منى لا خارجها، فاشتراط مقارنة النية للنفر يقتضي ذلك، والنية تكون مقارنة للفعل، أو متقدمة عليه بوقت يسير لا بعده.
قال ابن حجر:
¥