دليل القول الرابع: قد تقدم الاستدلال للتفريق في إيجاب الزكاة بحسب نوع الشركة، وبحسب نية المساهم، وأما اعتبار الشركة لأموال المساهمين بأنها كالمال الواحد نوعاً ونصاباً ومقداراً فيدل عليه قوله _صلى الله عليه وسلم_: "لا يجمع بين متفرق ولا يفرَّق بين مجتمع خشية الصدقة" (24) ويؤخذ منه أن اختلاط المالين يصيرهما كالمال الواحد (25).
ونوقش: بأن الحديث وارد في الماشية؛ لأن الزكاة تقل بجمعها تارة وتكثر تارة أخرى، فلا تلحق الضرر المحض بصاحب الماشية، بخلاف سائر الأموال، فالخلطة فيما تلحق الضرر المحض بصاحب المال؛ لأن ما زاد على النصاب بحسابه، وفي الجمع زيادة للمقدار المخرج بكل حال (26).
وأجيب: بأنَّ الحديث عام فيشمل كل شريكين قد اختلطت أموالهم، ولأن الخلطة إنما تثبت في الماشية للارتفاق، والحاجة قائمة إلى ذلك هنا (27).
الترجيح:
بالنظر للأقوال المتقدمة وأدلتها يتبين ما يلي:
1 – وجوب الزكاة على المساهم، ويترجح عند اخراجه لها القول الثاني المتمثل في اختلاف كيفية الزكاة بحسب نوع الشركة ونية المساهم مع ملاحظة ما يلي:
أ – بلوغ أسهم المزكي نصاباً بنفسها أو بضمها لأمواله الزكوية إذا كان له حكمها، ويراعى في ذلك حسم قيمة الأصول الثابتة والمصاريف الإدارية، والديون المستحقة الحالة على الشركة، وكذا على المساهم.
ب – تطبيق زكاة النقود على الفوائض النقدية، وزكاة التجارة على البضائع التجارية الموجودة في الشركات الزراعية والصناعية.
ج – في حال عدم تمكن المساهم من العلم بموجودات الشركة الزكوية لاحتساب زكاتها فإنه يخرج ربع عشر قيمة السهم الدفترية (28).
2 – فإن كان المزكي هو الشركة المساهمة، فالراجح هو القول الرابع، المتمثل في اعتبار أموال المساهمين كمال الشخص الواحد في وجوب الزكاة، من حيث نوع المال وحوله ونصابه، مع ملاحظة ما يلي:
أ – عدم أخذ الزكاة على أموال غير المسلمين لفقدهم أهم شروط الزكاة وهو الإسلام (29).
ب – بالنسبة للمضارب بالأسهم، فإنه لا يكتفي بزكاة الشركة، بل يجب عليه إخراج الفرق بين زكاة الشركة بالقيمة الحقيقية للسهم وبين زكاته بالقيمة السوقية، كما أن الشركات الصناعية لا تزكي إلا ريع السهم الصافي، بينما يجب عليه أن يزكي كامل قيمته، مع حسم ما أخرجته الشركة إذا علم بمقداره (30).
سبب الترجيح ما يلي:
أولاً: فيما يتعلق بتزكية المساهم لأسهمه، فقد ترجح ما تقدم؛ لأن السهم حصة شائعة من الشركة، فتجب فيه الزكاة بحسب نوع الشركة، فالجزء له حكم الكل، فإن قصد المساهم من تملك السهم المتاجرة به، فيكون له حكم العروض التجارية؛ لأن الأعمال بالنيات، والنية تقلب الحكم في عروض القنية إلى عروض تجارية إذا نوى الاتجار بها، فالسهم المتخذ للاستثمار إذا نوى بها الاتجار كان أولى بحكم العروض التجارية.
ثانياً: فيما يتعلق بتزكية الشركة للأسهم فقد ترجح ما تقدم أخذاً بمبدأ الخلطة فيما عدا الماشية؛ لعموم النص الوارد وللحاجة إلى ذلك؛ ولما في عدم أخذ الشركة به من مشقة بالغة تمنعها من أخذ الزكاة؛ لما يترتب على ذلك من النظر في أسهم كل مساهم على حِدَة، ومعرفة ما يبلغ منها نصاباً، أو الاتصال بالمساهمين للتأكد من ملكهم للنصاب وتحقق شروط الزكاة لديهم، مما يوقع في مشقَّة بالغة، والمشقة تجلب التيسير (31).
ثالثاً: فيما يتعلق باحتساب الأسهم بالقيمة الحقيقية عند زكاة الشركة أو المساهم المستثمر لأنهم لا يستفيدون من القيمة السوقية للأسهم بل تبقى الأسهم للاستفادة من ريعها الذي لا يتأثر بقيمة السهم في سوق المال.
وأما فيما يتعلق باحتساب الأسهم بالقيمة السوقية بالنسبة للمضارب بها فلأنها عروض تجارية وهي تزكى بحسب قيمتها في السوق عند وجوب الزكاة.
رابعاً: ورجحنا حساب الزكاة بربع عشر القيمة الدفترية عندما لا يتمكن المساهم المستثمر من معرفة موجودات الشركة؛ لأنه بذلك يتحقق إخراجه يقينا للقدر الواجب شرعاً، وما زاد فإنه صدقة ولا يسلَّم القول بقياس الأسهم عندئذ على المستغلات وإخراج ربع عشر ريعها بعد حولان الحول على قبضها (32)؛ وذلك لأن السهم حصة شائعة من موجودات الشركة.
¥