2 - واما أسامة الحازمي فأراد إبطال الاستدلال بمفهوم الحديث المذكور بأن الناس يسافرون للتجارة وغيرها من الأغراض ولم يُمنع من ذلك أحد فلا مفهوم لهذا الحديث عنده. ونقول له مفهوم هذا الحديث لا يمنع عموم الأسفار فقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولا يزال المسلمون يسافرون للأغراض المباحة وقد وضع الله للسفر رخصاً شرعية تسهيلاً على الناس فيه وإنما الممنوع السفر لأجل تخصيص بقعة بالعبادة لا دليل على تخصيصها لأن هذا يعتبر من البدع وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). وفي رواية: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). ولأن هذا وسيلة إلى الشرك. ولو كان الأمر كما ذكر الحازمي لم يكن لهذا الحديث فائدة وحاشا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون عديم الفائدة.
ومما يدل على أن المقصود بالحديث سفر العبادة أن المساجد لا تقصد إلا للعبادة لا للسياحة ولا للتجارة وكون الناس يسافرون لبنائها كما ذكر لا علاقة لذلك بتخصيصها بالعبادة والسفر من أجل ذلك لأن بناء المساجد حثّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم ورغّب فيه. فالبناء شيء وتخصيص مكان بالعبادة شيء آخر.
3 - وأما إبراهيم مصطفى عبدالله - فقد قال مبرراً السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم: ذكر الله في كتابه العزيز: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) فإتيان الرسول صلى الله عليه وسلم حياً أو ميتاً، أخذوه من هذه الآية - وأقول: إتيان الرسول صلى الله عليه وسلم للتعلّم منه وسؤاله وطلب الدعاء منه في حياته أمر لا شكّ فيه أنه مطلوب وهو الذي تدلّ عليه الآية أما إتيانه صلى الله عليه وسلم بعد موته لهذه الأمور فغير مشروع، وللفرق بين الحياة والموت فالحياة لها أحكام والموت له أحكام كلٌ يعرفها. والآية الكريمة لا تدل على ما قلتَ لا من قريب ولا من بعيد وذلك لأمرين:
الأول: أن الله سبحانه قال: (إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ)، ولم يقلْ إذا ظلموا أنفسهم لأن (إذ) لِمَا مَضَى من الزمان. و (إذا) لِمَا يُستقبل من الزمان فدلّ على أن هذا الإتيان الذي تركوه ولامهم الله على تركه إنما هو في حياته صلى الله عليه وسلم فلو أنهم حينما حصل منهم ما حصل من طلب تحكيم غير النبي صلى الله عليه وسلم أتوه معتذرين مستغفرين لغفر الله لهم والله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ). فالآية لا عموم لها كما ادعيته .. بل هي خاصة في قضية معيّنة انتهت وانقضت.
الأمر الثاني: ان الصحابة رضي الله عنهم لم يفهموا هذا الذي فهمته أنت ومن ذَكرتَ معك فما كانوا يأتون إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويطلبون منه الاستغفار والدعاء لهم بل كانوا إذا أشكل عليهم أمر عام أو خاص لا يذهبون إلى قبره ويسألونه كما كان ذلك منهم معه في حياته صلى الله عليه وسلم بل كانوا يسألون العلماء من الصحابة. ولما أجدبوا واستغاثوا ربهم في عهد عمر رضي الله عنه لم يذهبوا إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون منه أن يدعو الله لهم بنزول الغيث وإنما طلب عمر من العباس بن عبدالمطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله فدعا لهم.فلماذا عدلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمه العباس؟ لماذا يعدلون عن الفاضل إلى المفضول إلاّ لأن الميت لا يُطلب منه شيء والصحابة هم القدوة في فهم القرآن والسنة وعملهم حجة لقوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي) وأما عمل غيرهم فليس حجة إلا إذا قام عليه دليل صحيح من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد).
وأما قول إبراهيم مصطفى عبدالله: من هم المعترضون على إدخال الحجرة النبوية التي فيها قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فنقول له: راجع كتب التاريخ المعتمدة في هذه المسألة وستجدها مذكورة فيها فأنا لم أقل شيئاً من عندي وراجع مجموع فتاوى شيخ الإسلام بن تيمية (جـ1 ص/236 - 237) ثم إني أطالبك أن تذكر لي من هم المفسرون الذين قُلتَ عنهم: أنهم فسّروا قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ) بأن المراد بذلك المجيء الى قبره صلى الله عليه وسلم.
وأما قولك جاءت الأحاديث الشريفة في الحثّ على زيارة القبور وقبره صلى الله عليه وسلم أفضل من كل القبور فأنا لا أقول بمنع زيارة القبور مطلقاً وإنما أقول كغيري من العلماء: إنما الممنوع هو السفر لزيارة القبور أخذا من فهمهم من الحديث الصحيح: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) وأما الحديث الذي استدللت به على خصوص زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو (من زار قبري وجبت له شفاعتي) فهذا الحديث وكل الأحاديث التي جاءت بخصوص زيارة قبره صلى الله عليه وسلم كلها أحاديث ضعيفة شديدة الضعف أو موضوعة كما نبّه أئمة الحفاظ على ذلك وراجع كتاب الصارم المنكي في الرد على السبكي.
4 - وأما سمير أحمد حسن برقة: فقد حشد في مقاله أقوال الذين يروْن جواز السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأقول له: لا حجّة في الأقوال ولو كثُرت إذا خالفتْ سنة النبي صلى الله عليه وسلم والله تعالى يقول (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً). والرسول صلى الله عليه وسلم يقول (لا تشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد) فلا يجوز لأحد أن يخالف قوله صلى الله عليه وسلم منطوقاً ولا مفهوماً. وهؤلاء يقولون: تشد الرحال من باب التعبد إلى غير المساجد الثلاثة بناء على اجتهادهم ولا اجتهاد مع مخالفة الحديث الصحيح.
ختاماً أسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وأن يعيذنا من شر الفتن واتباع الأهواء.
(الرسالة) الجمعة 19 ذو القعده 1425 - الموافق - 31 ديسمبر 2004 - العدد15227))