قلت: وقد ذكر ابن عبد البر في الإستذكار (6/ 355) أن هذا الحديث في رواية القعنبي، ومطرف، وأبي مصعب موصولاً، هكذا: مالك، عن أبي النضر، عن سالم بن عبد الله، عن ابن عمر بن الخطاب ... ، ثم ذكر أن طائفةً رووه كما رواه يحيى، والله أعلم.
3 - الجامع لأحكام القرآن (12/ 267) وما بعدها.
يتبع.
ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[30 - 10 - 03, 09:35 م]ـ
المسألة الثانية: حكم الكلام المشروع في المسجد:
وهذا شامل لقراءة القرآن، والصلاة، وتعليم العلم، والمواعظ، ونحو ذلك.
فيمكن أن نجعل هذه المسألة في مبحثين:
المبحث الأول: إذا كان الكلام المشروع بدون رفعٍ للصوت، ولا إزعاجٍ للآخرين، فهذا مما لا خلاف في جوازه؛ حيث إن المساجد لم تبن إلا لعمارتها بالذكر، وقراءة القرآن، والصلاة، كما جاء في حديث الأعرابي2.
المبحث الثاني: أن يكون برفع الصوت، وقد يحصل منه إزعاجٌ للآخرين، فلا يخلو من حالتين:
الأولى: أن يكون مما أمر الله – سبحانه -، وحثَّ رسوله – صلى الله عليه وسلم – على رفع الصوت فيه، كالقراءة في الصلاة الجهرية، والخطب ... فلم أجد – حسب بحثي – مَنْ مَنَعَ رفع الصوت، ولو وجد لكانت ظاهر النصوص تدفع كلامه 3.
الثانية: وهي ماعدا الحالة الأولى، كالمواعظ، والذكر، وقراءة القرآن، ونحوها؛ فللعلماء في ذلك قولان:
الأول: المنع منه، سواءً منعَ كراهةٍ، أو تحريم 1.
ومما يمكن أن يستدل لهم به:
1 – عن عبد الله بن عمر، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – اعتكف، وخطب الناس، فقال: " أمَا إنَّ أحدكم إذا قام في الصلاة فإنه يناجي ربه، فليعلم أحدكم ما يناجي ربه، ولا يجهر بعضكم على بعضٍ بالقراءة في الصلاة " 2.
وجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم – نهى الصحابة من جهر بعضهم على بعضٍ بالقراءة، مع أن قراءة القرآن من الأمور المشروعة في المسجد.
* يرد عليه: أن هذا خاص بالجهر في الصلاة.
2 – عن واثلة بن الأسقع، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: " جنبوا مساجدكم صبيانكم، ومجانينكم، وشراركم، وبَيْعكم، وخصوماتكم، ورفع أصواتكم، وإقامة حدودكم، وسلَّ سيوفكم، واتخذوا على أبوابها المطاهر، وجَمِّرُوْهَا في الجمع " 3.
وجه الاستدلال: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – في هذا الحديث، نهى عن رفع الصوت.
* يرد عليه: أن الحديث ضعيف.
3 – قال صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار " 4.
وجه الاستدلال: أن في رفع الصوت سواءً بالقراءة، أو بالعلم ضرراً على من بجواره، والضرر مدفوعٌ كما بيَّن ذلك هذا الحديث، وما رأيك بمسجدٍ كلُّ من فيه يجهر بصوته، فماذا عساه أن يكون؟!.
4 – عن السائب بن يزيد قال: كنت قائماً في المسجد، فحصبني رجلٌ، فنظرتُ، فإذا عمر بن الخطاب، فقال اذهب، فأتني بهذين، فجئته بهما، فقال: من أنتما، أو من أين أنتما؟ قالا: من الطائف قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله – صلى الله عليه وسلم! 1.
وجه الاستدلال: أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – زجر هذين الرجلين؛ بل هَمَّ أن يوجعهما ضرباً، مما يدل على أنهما فعلا مخالفةً شرعية.
قال ابن حجر في الفتح (1/ 668) [قوله " لأوجعتكما " زاد الإسماعيلي " جلداً " ومن هذه الجهة يتبين كون هذا الحديث له حكم الرفع؛ لأن عمر لا يتوعدهما بالجلد إلا على مخالفة أمر توقيفي].
* يرد عليه: أن قول عمر بن الخطاب – رضي الله عنه –: (ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله – صلى الله عليه وسلم -) يظهر منه أن ذلك خاصٌ بمسجدِ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لوجوده – صلى الله عليه وسلم -، وحرمته ميتاً، كحرمته حياً، وقد قال بهذا بعض أهل العلم2؛
ومما يؤكد هذا – أيضاً – ما ورد في مصنف عبد الرزاق (1711) عن نافعٍ قال: كان عمر بن الخطاب يقول: لا تكثروا اللغط، يعني في المسجد، قال: فدخل المسجد ذات يوم فإذا هو برجلين قد ارتفعت أصواتهما، فبادراه، فأدرك أحدهما، فضربه، وقال: ممن أنت؟ قال: من ثقيف، قال: إن مسجدنا هذا لا يرفع فيه الصوت.
* يجاب عنه: بما قاله الحافظ ابن حجر (1/ 668) [أن هذا الأثر فيه انقطاع، لأن نافعاً لم يدرك ذلك الزمن].
¥