ونوقش: قال الشافعي في الأم (3/ 129): وحديث عثمان يشبه – والله أعلم – أن يكون إنما أمر بقضاء الدين قبل حلول الصدقة في المال في قوله: " هذا شهر زكاتكم " يجوز أن يقول: هذا الشهر الذي إذا مضى حلَّت زكاتكم، كما يقال: شهر ذي الحجة، وإنما الحجة بعد مضي أيام. قال الشافعي: فإذا كانت لرجلٍ مائتا درهم وعليه دين مائتا درهم فقضى من المائتين شيئاً قبل حلول المائتين، أو استعدى عليه السلطان قبل محل حول المائتين فقضاها، فلا زكاة عليه، لأن الحول حالٌ، وليست مائتين. اهـ.
ويجاب عنه: بأنَّ هذا التأويل مخالفٌ للظاهر،
ويؤيد ذلك: ما أخرجه الطحاوي في أحكام القرآن من كلام عثمان: (فمن كان عليه دينٌ، فليقضه، وأدو زكاة أموالكم، وأدوا زكاة بقية أموالكم ... ثم قال: هذا الشهر الذي وجبت فيه الزكاة). [[الجوهر النقي بجاشية سنن البيهقي 4/ 149]].
فقوله: (أدوا زكاة بقية أموالكم) دليلٌ على وجوب الزكاة عليهم قبل ذلك، ولو كان رأيه وجوب الزكاة في قدر الدين لكان أبعد الخلق عن إبطال الزكاة وتعليمهم الحيلة.
ونوقش – أيضاً –: بأننا نسلم أنه إذا كان على الإنسان دينٌ حال، وقام بالواجب وهو أداؤه فليس عليه زكاة؛ لأنه سيؤدي من ماله، وسَبْقُ الدين يقتضي أن يقدم في الوفاء على الزكاة؛ لأن الزكاة لا تجب إلا إذا تم الحول، والدين سابق، فكان لسبقه أحق بالتقديم من الزكاة.
ونحن نقول لمن اتقى الله، وأوفى ما عليه: لا زكاة عليك إلا فيما بقي، أما إذا لم يوف ما عليه، وماطل لينتفع بالمال، فإنه لا يدخل فيما جاء عن عثمان، فعليه زكاته.
3 – ولأن النبي – صلى الله عليه وسلم قال لمعاذٍ – رضي الله عنه – لما بعثه إلى اليمن: " أخبرهم أن الله افترض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم ".
وجه الدلالة: أنَّ في الحديث دلالة على أن الزكاة إنما تجب على الغني، وأنها تدفع إلى الفقراء؛ والمدين محتاجٌ إلى قضاء دينه كحاجة الفقير أو أشد.
ويقال – أيضاً –: أنَّ المدين ديناً يستغرق النصاب أو ينقصه ممن يحل له أخذ الزكاة؛ لأنه من الفقراء، ولأنه من الغارمين؛ فكيف تجب عليه الزكاة، وهو ممن يستحقها؟! وقد قال عليه الصلاة والسلام: " ابدأ بنفسك، ثم بمن تعول ".
ويقال – أيضاً –: أن الصدقة لا تشرع إلا عن ظهر غنى؛ كما جاء في الحديث: " لا إلا عن ظهر غنى "، ولا غنى لهذا المدين وهو محتاج إلى قضاء الدين الذي يعرضه لعقوبة الحبس؛ فضلاً عمَّا هو فيه من همِّ الليل وذلُّ النهار.ونوقش: أن حاجة المدين على الرحب والسعة، فهو أحد الأصناف الذين تدفع إليهم الزكاة؛ لقضاء حاجتهم، فهو من الغارمين فنقول: نحن نقضي دينك من الزكاة، وأنت تتعبد لله بأداء الزكاة.
فإن قال قائل: كيف يمكن أن يكون الإنسان مزكياً، وله أن يأخذ الزكاة؟
فنقول: ليس فيه غرابة؛ لو كان عند الإنسان نصاب أو نصابان لا يكفيانه للمؤنة، لكنهما يبقيان عنده إلى الحول فهنا نقول: نعطيه للمؤنة ونأمره بالزكاة، ولا تناقض.
يجاب عنه: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – في هذا الحديث جعل الناس على قسمين؛ قسمٌ تؤخذ منهم الزكاة، وقسم يعطون من الزكاة؛ ولم تأت النصوص بإثبات قسمٍ ثالث تؤخذ منهم الزكاة ويعطون منها!!
نوقش الجواب: أنه قد وقع الإجماع على وجود قسمٍ ثالث يؤخذ منه ويدفع إليه، وهو ابن السبيل؛ فيؤخذ منه الصدقة عن أمواله الغائبة، وتدفع إليه الصدقة في سفره للحاجة الماسة.
4 – أن ملكية المدين ضعيفة وناقصة، فليس ملكه تاماً، لتسلط الدائن على المستحق عليه، ومطالبته بدينه، ومن شروط وجوب الزكاة: تمام الملك.
5 – أن القول بوجوب الزكاة على المدين، يؤدي إلى تزكية المال مرتين؛ لأننا نوجب زكاة هذا المال (الدين) على الدائن كذلك.
ونوقش: أن المدين قد لا يكون في يده نفس المال الذي أخذه من الدائن؛ فقد يستدين دراهم، ويكون عنده مواشٍ، أو بالعكس، وهذا كثير، ثم على فرض أن يكون هو نفس المال، فيقال: الجهة منفكة؛ لأن المال الذي بيد المدين ماله يتصرف فيه كيف يشاء، فملكهُ له ملك تامٌ، والدين الذي للدائن في ذمة المدين لا دخل له في هذا المال الذي بيد المدين.
¥