تفسيره: أخبرنا معمر. عن قتادة في قوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) قال من ضيق، وقال: أعطيت هذه الأمة ثلاثًا لم يعطها إلا نبي: كان يقال للنبي اذهب فليس عليك حرج، وقد قال الله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) ويقال للنبي. أنت شهيد على قومك، وقال الله تعالى: (لتكونوا شهداء على الناس) () ويقال للنبي: سل تعط، وقال الله تعالى: (أدعوني أستجب لكم).أهـ.
وفي كلام الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" ما يدل على أن تأخير عمر بن الخطاب المقام عن موضعه الأول إلى موضعه اليوم من قبيل رفع الحرج عن الأمة، ونصه (ج8 ص137): كان عمر رأى أن إبقاءه – أي مقام إبراهيم عليه السلام – في الموضع الأول يلزم منه التضييق على الطائفين أو على المصلين، فوضع في مكان يرتفع به الحرج. أهـ.
ومثل نظر عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شأن المقام إلى رفع الحرج نظره إليه أيضًا في شأن المطاف حينما كثر الناس فوسعه وتبعه في ذلك عثمان، ففي "الأحكام السلطانية" للماوردي ما نصه: كان أي المسجد الحرام فناء حول الكعبة للطائفين، ولم يكن له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه جدار يحيط به، فلما استخلف عمر رضي الله عنه وكثر الناس وسع المسجد، واشترى دورًا هدمها وزادها فيه، وهدم على قوم من جيران المسجد أبوا أن يبيعوا، ووضع لهم الأثمان حتى أخذوها بعد ذلك، واتخذ للمسجد جدارًا قصيرًا دون القامة، وكانت المصابيح توضع عليه، وكان عمر رضي الله عنه أول من اتخذ جدارًا للمسجد، فلما استخلف عثمان رضي الله عنه ابتاع منازل فوسع بها المسجد، وأخذ منازل قوم ووضع لهم أثمانها، فضجوا منه عند البيت، فقال إنما جرأكم على حلمي عنكم، فقد فعل بكم عمر رضي الله عنه هذا فأقررتم ورضيتم، ثم أمر بهم إلى الحبس حتى كلمه فيهم عبدالله بن خالد بن أسد فخلى سبيلهم، وبنى للمسجد الأروقة. فكان عثمان رضي الله عنه أول من اتخذ للمسجد الأورقة. أهـ. المراد من كلام الماوردي في الأحكام السلطانية. وهو آخر البحث. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا.
(الختم)
(وطبعت هذه الفتوى مع نصيحة الإخوان في مكة دار الثقافة للطباعة والزنكوغراف)
نصيحة الاخوان
ببيان بعض ما في نقض المبان لابن حمدان من الخبط والخلط والجهل والبهتان
تأليف
صاحب السماحة مفتي الديار السعودية
الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه وخاتم رسله وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: - فإني لما اطلعت على تعقيب الشيخ سليمان بن حمدان على رسالة الشيخ عبدالرحمن المعلمي في موضوع نقل المقام وجدت في ذلك التعقيب مما لا يليق ما يلي: -
1 - تأسيس بحثه على أسس غير متينة: كدعواه أن موضع المقام اليوم هو موضعه في عهد إبراهيم الخليل عليه السلام ولم يزل فيه إلى أن جعلته قريش في سقع البيت مخافة السيل، ودعواه اتفاق الروايات على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من أخر المقام عن سقع البيت يوم الفتح إلى الموضع الذي هو فيه اليوم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل ركعتي الطواف خلف المقام قبل حجة الوداع، وأن من السلف من فسر المقام بالبقعة التي خلف المقام في موضعه اليوم، وبنى على ذلك أنه لو انتقل المقام تعينت الصلاة خلفه في الموضع الأول لا في الموضع الأخير، وأن تقديم الطائفين في آيتي تطهير البيت ليس للأهمية.
2 - مهاجمته الروايات التي لا تؤيد أساسًا من هذه الأسس التي سلكها: تارة بالطعن في رواتها ومصححيها من الأئمة (). وتارة بحملها على غير محملها، وتارة بدعوى الشذوذ فيها.
3 - ترفيع الأزرقي – أبي الوليد مؤرخ مكة – على إمامي المغازي والسير محمد بن إسحاق، ومحمد بن عمر الواقدي.
4 - دعوى أن كلمة "المفتى الأكير" عند الإطلاق لا تنصرف إلا إلى الله عز وجل، ففي إطلاقها على المخلوق منازعة الرب في الأكبرية.
5 - محاولته تضليل المعلمي وإخراجه عن دين الإسلام بدعاوي لم نجد لها مبررًا في كلام المعلمي، وإلزامات لا تستلزمها عبارات المعلمي ولا يرتضيها. لهذا كله أرشدت الشيخ سليمان بن حمدان إلى أن لا ينشر تعقيبه مادام بهذا الوضع. فلم يكن منه بدل قبول إرشادي إلا أن بادر إلى طبعه وتوزيعه دون أن يغير شيئًا مما ذكرناه.
¥