الألباني رحمه الله، ولم يبرز مناقبه العظيمة، ولم ينشر علمه الصافي، وجهوده في تقرير معتقد السلف، ومحاربة الأفكار المنحرفة والمناهج الضالة كمنهج الخوارج، والإخوان، والتبليغ، والأحزاب الإسلامية المنحرفة، ومن سبح في حوضهم الآجن، بل سعى بغير قصد إلى تشويه سمعته، وإظهاره في صورة العالم المتفرد عن العلماء، المخالف للإجماع، والبعيد عن الفقه وأصول الاستنباط، حتى صرنا نسمع من بعض الكتاب أنه مذهب خامس!. بجرير من يا ترى والله المستعان؟
والأمر الثاني الذي كثر السؤال عنه ما يفعله بعض الخطباء عندنا في الجزائر، وذلك أنهم في صلاة الجمعة في خطبة الأولى يأتون بالحمد والثناء على الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد جلسة الاستراحة يقومون ويدخلون في الموضوع مباشرة دون حمد على الله ولا صلاة وسلام على رسوله، وإذا سئلوا لما؟ قالوا: هذا مذهب الألباني!.
فهل ما يفعلونه صحيح؟، وصحيح أنه قول الشيخ الألباني رحمه الله؟.
وأحينا يخطب طالب علم بالناس ويصلي بهم آخر، وإذا سئلوا لما؟ قالوا: هذا مذهب الشيخ الألباني!.
فهل هذا الصنيع درج عليه الرعيل الأول أم لا؟
الجواب:
*أولا: قاعدة: قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمة جزء رفع الملام: (وليعلم أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولا عاما يعتمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته؛ دقيق ولا جليل، فإنهم متفقون يقينيًا على وجوب اتباع رسول الله، وعلى أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا وُجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه فلا بد له من عذر في تركه).
والعلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله من هؤلاء العلماء المقبولين، ولا نشك أبدا أنه رحمه الله نذر أنفاسه لخدمة المنهج السلفي، والدفاع عنه، وربط الناس بالسنة المحمدية، وها هي كتبه وأشرطته شاهدة على ما أقول. وأمّا ما يبلغنا من فحيح قوم أنه وقع في الإرجاء أو وافق المرجعة كما ينعق به بعض من استزلهم الشيطان، وبال في أسماعهم وعمى أبصارهم، فلا يلتفت إليه، ولا يقام له وزنا، ثم والله ما كنا نتصور أن يصدر من بعض من كنا نحسن به الظن ونجالسه ونسأله عن أمور ديننا أنه يقول في علاّمة الشام أنه وقع في مذهب المرجئة والعياذ بالله، ولكن هذا نصيب الألباني من الخير يأتيه وهو في قبره، والله العاصم من الزلل.
قال ابن أبي العز رحمه الله في رسالة الإتباع ص43: (ومن ظن أنه يعرف الأحكام من الكتاب والسنة بدون معرفة ما قاله هؤلاء الأئمة وأمثالهم فهو غالط مخطئ)
*ثانيا: نحتاج إلى تصديرة موجزة في ذم الشذوذ، والفتوى بالمهجور فأقول:
إنّ مدرسةَ الطُّبُوليات التي يترأسها بعض الطلبة المتصدرين والمتسرعين في الأحكام، ومن سار على شكيكته وسكيكته من الظاهرية الجُدد، ولدت في عقول كثيرٍ من الشّباب المبتدئين في الطلب الاستخفاف بما كان عليه الأسلاف من العلم والفهم، بل وأشعرتهم أنّ العلم لا يكون إلا برواية الغرائب، والشّاذ من الأقوال، وهذا حتماً خطأ وانحراف مُباين لما كان عليه الأوائل من الأسلاف رحمهم الله.
قالَ الإمامُ عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: «لا يكون إماماً في العلم من أخذ بالشّاذ من العلم، ولا يكون إماماً في العلم من روى عن كل أحد، ولا يكون إماماً في العلم من روى كل ما سمع» (). [إسناده صحيح: أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله» (2/ 820 رقم 1539)، انظر «التمهيد» له (1/ 64) و «شرح علل الترمذي» (1/ 411).]
وقال الإمام مالك رحمه الله: «شرّ العلم الغريب، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس» (). [(2) «الجامع لأخلاق الراوي» (2/ 100 رقم 1292)].
وقال أبو طالب المكّي: «كان مالك رحمه الله أبعد النّاس عن مذاهب المتكلمين، وأشدّهم نقضاً للعراقيين، وألزمهم لسنّة السّالفين من الصّحابة والتّابعين» (). [(3) «ترتيب المدارك» (2/ 39)، انظر «السير» للإمام الذهبي (8/ 106)].
بل كان يرى الإمامُ مالك رحمه الله أنّ سببَ ظهور الأهواء والأقوالِ الباطلة والشاذة الجهلُ وقلةُ العلم بآثار السّلف الصّالح.
¥