تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال إسماعيل بن أبي أويس: سمعت مالكاً يقول «ما قلّت الآثار في قومٍ إلا ظهر فيهم الأهواء ولا قلّت العلماء إلا ظهر في الناس الجفاء» (). [(4) رواه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 383 برقم390) بإسناد صحيح].

وروى عبدُ الله بن وهب عنه «إن حقاً على كل من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية، وأن يكون متبعاً لأثر من مضى من قبله» () [(5) إسناده صحيح: رواه أبو نعيم في الحلية (6/ 324) من طريق يونس بن عبد الأعلى، ثنا ابن وهب، والخطيب في الجامع (209) من طريق حرملة قال: نا ابن وهب.].

وبهذا المنهج صار الإمامُ مالك إماماً، يضرب الناسُ أكباد الإبل ويقطعون الفيافي للأخذ عنه والاستفادة منه.

قال الحافظ ابنُ عبد البر رحمه الله: «معلوم أنّ مالكاً كان من أشد الناس تركاً لشذوذ العلم، وأشدهم انتقاداً للرجال، وأقلهم تكلفاً، وأتقنهم حفظاً، فلذلك صار إماماً» (). [(6) «التمهيد» (1/ 65).]

قال الإمامُ أبو داود السجستاني صاحب السُنن مفتخراً بكتابه السُنن لأنه رحمه الله ضمّنه المعروف والمشهور من الأحاديث وجنّبه رحمه الله الغريب: «والأحاديث التي وضعتها في «كتاب السنن» أكثرها مشاهير، وهي عند كل من كتب شيئاً من الحديث، إلا أن تمييزها لا يقدر عليه كل الناس، والفخر بها أنها مشاهير، فإنه لا يُحتج بحديث غريب ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد والثقات من أئمة العلم» (). [(7) رسالة أبي داود، انظر «عون المعبود» (1/ 7)].

قال يزيدُ بن أبي حبيب: «إذا سمعتَ الحديث فانشده كما تنشد الضالة فإن عُرف وإلاّ فدعه» (). [(8) رسالة أبي داود، انظر «عون المعبود» (1/ 7)].

وعلى هذه الطريقة الحميدة كان الأسلافُ رحمهم الله، فإنّهم كانوا لا يبتهجون بالغريب من الفتاوى، والشّاذ من الأقوال، بل كان يعدُّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الاشتغال بالغرائب والشّواذ طريقة أهل البدع من الأعاجم، قال رحمه الله وهو يتحدث عن مباينة مبتدعة الأعاجم لأهل السُّنة: «بخلاف ما يفعله كثيرٌ من أهل البدع من الأعاجم وغيرهم، حيث يشتغل أحدهم بشيء من فُضول العلم من الكلام أو الجدال، والخلاف أو الفروع النادرة، والتقليد الذي لا يحتاج إليه، أو غرائب الحديث التي لا تثبت ولا ينتفع بها» (). [(9) «الفتاوى الكبرى» (5/ 235) انظر كتاب «النبذ في آداب طلب العلم» للأخ الفاضل حمد بن إبراهيم العثمان، ومنه استفدت كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وأنصح كل طالب علم بقراءة هذا الكتاب فإنّه مفيد جداً. وقد منّ اللهُ عليّ بتدريس بعض الفصول من هذا الكتاب، وأجزاء أخرى في أدب الطلب لطلابي الأعزاء في مدينتي أبو ظبي منطقة المشرف، وبني ياس شرق11].

قال ابن القيم رحمه الله: «وأخسّ همم طلاب العلم قصر همته على تتبع شواذ المسائل، وما لم ينزل، ولا هو واقع، أو كانت همته معرفة الاختلاف وتتبع أقوال الناس، وليس همه إلى معرفة الصحيح من تلك الأقوال، وقل أن ينتفع واحد من هؤلاء بعلمه» (). [(10) «الفوائد» (ص 93) انظر المصدر السابق (ص222)].

وقد استفدنا من علمائنا الأماجد رحم الله الأموات، وحفظ أحياءهم: أن الاستهانة بما كان عليه السلف داءٌ وبيل يطمس الطرق المؤدية إلى العلم والفهم، ومن ظهر منه هذا المرض استحق المقت والعتاب، ورحم الله العلامة حافظ بن أحمد بن علي الحكمي القائل في منظومته «وسيلة الحصول» () [(11) انظر «الجهد المبذول» للشيخ زيد المدخلي (3/ 295).]:

وحيثُ قلنا في اتفاق السلف يلزم حجة لكل مقتف

فخلفهم يحصر في المنهج والحق عن جملتهم لا يخرج

فيحرم اختراع قول ما سبق لهم ومن يحدثه للمقت استحق

بل يلزم الرد إلى الأدلة في ذا وإلا اختير قول الجلة

والخلفا قدم على سواهم فالاهتداء والرشد من حلاهم

وقدم الشيخين إذا كان الأجل عصرهما وخلفه كان الأقل

وبعدهم أئمة ممن مضى ممن بنور هديهم قد استضا

فاعرف لهم منصبهم لا تستهن وبفهوم القوم في الفقه استعن

وهكذا فاسلك سبيل الاقتدا مقتفي الآثار لا مقلداً

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير