فقال: قال الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (1\ 223): «قد ذكر بعض العلماء أن مالكاً عابه جماعة من أهل العلم في زمانه، بإطلاق لسانه في قوم معروفين بالصلاح والديانة والثقة والأمانة»، ثم ذكر أمثلة على ذلك. ثم ذكر ممن عابه: ابن أبي ذؤيب، وعبد العزيز الماجشون، وابن أبي حازم، ومحمد بن إسحاق. كما قد تكلّم في مالك: إبراهيم بن سعد، وكان يدعو عليه. وناظره عمر بن قيس –في شيء من أمر الحج بحضرة هارون– فقال عمر لمالك: «أنت أحياناً تخطئ، وأحياناً لا تصيب». فقال مالك: «كذاك الناس».
قلت: وهكذا يستمر الشيخ في اجترار ما سبق، وسيعيد بعضه لاحقا، كل ذلك ليوهم القراء أن هناك كثيرا من العلماء قد تكلموا في الإمام.
وقد تقدم الرد على كل هذا بحمد الله، وبينت هناك أن هذا من كلام المتعاصرين، فسبيله الإهمال، خصوصا بعد ما تبين سببه. والكلام الذي ذكره الشيخ عن الخطيب رده الإمام الذهبي-رحمه الله-
فقد قال في السير7/ 38: (كلا، ما عابهم إلاّ وهم عنده بخلاف ذلك، وهو مثاب على ذلك، وإن أخطأ اجتهاده، رحمه الله).فهل هناك بعد هذا مزيد لمن أنصف؟!!
ووقوف الشيخ عن استكمال نص الخطيب يحتاج إلى تأمل، فلماذا لم يكمله حتى نعرف الأمثلة التي ذكرها الخطيب، ومن هم الذين تكلم فيهم الإمام، في الحقيقة ليس هناك أمثلة، إنما هو مثال واحد، وضعفه الخطيب بعد ما ذكره بأسطر، وقال الذهبي بعد نقل كلام الخطيب في تجهيل راوي المثال وليس الأمثلة: (فهي مردودة).السير7/ 39. ولا يرد ما ذكره الخطيب هنا عن ابن إسحاق على أنه مثال آخر، لأنه ذكر قبل هذا الكلام.
ثم قال الشيخ: كما تكلم في مالك إبراهيم بن سعد، وكان يدعو عليه.
قلت: يعلم الله أني حسن الظن بالشيخ إلى الآن، ولكن الأخطاء - ولا أقول التحريفات - تتابع أمامي وكثرتها تدل على شيء، فاقرأ هذه هديت رشدك، واصبر معي قليلا، فالأمر يحتاج بعض التأمل والأناة اللتين فقدتا في هذا الزمن العصيب.
سبق أن نقل الشيخ عن ابن عبد البر من كتاب جامع بيان العلم نصا طويلا ذكر فيه ابن عبد البر جماعة تكلموا في الإمام، وذكر الشيخ محمد الأمين رقم الجزء والصفحة وهو من طبعة أبي الأشبال الزهيري التي نشرتها دار ابن الجوزي، وحذف الشيخ من النص فقرة من السطر الثالث في الطبعة المذكورة، وكنت أتعجب في نفسي من ذلك الحذف جد العجب، لما في المحذوف من فائدة للشيخ حيث ذكر فيه شخصان آخران ممن تكلم في الإمام، ثم فوجئت بالشيخ في فقرتنا هذه يذكر أحد هذين الشخصين وهو إبراهيم بن سعد، وينسب إليه ما نسب للشخص الآخر في الفقرة التي أسقطها من نص ابن عبد البر، ونعيد هنا نقل الشيخ السابق حتى لا نظلمه، وحتى يكون القارىء على بينة، وتكون النصوص أمامه ليقارن. قال الشيخ فيما سبق: وقال ابن عبد البر (2\ 1115): «وقد تكلّم ابن أبي ذئب في مالك بن أنس بكلامٍ فيه جفاء وخشونة، كرهتُ ذِكره، وهو مشهورٌ عنه. قاله إنكاراً لقول مالك في حديث البيِّعين بالخيار ... ، وتكلم في مالك أيضاً -فيما ذكره الساجي ... وحتى لا نطيل نذكر المحذوف الذي وضع الشيخ بدله النقط: وكان إبراهيم بن سعد يتكلم، وكان إبراهيم بن أبي يحيى يدعو عليه، وتكلم في مالك ... الخ.
وهنا يكمن يا إخواني الذكاء!! والأسلوب الكوثري، وتتبعوا معي تصوري للأمر كيف تم.
عندما قرأ الشيخ كلام ابن عبد البر، يبدو أنه لاحظ أمرين، الأول: أن وجود اسم إبراهيم بن سعد في النص من الممكن أن يكون خطأ وأن الصواب سعد بن إبراهيم كما هو مذكور بعد ذلك في نفس النص على الصواب، ويعزز هذا عدم وجود أي كلام أو مجافاة بين إبراهيم بن سعد والإمام، وقد رجعت بنفسي لعدة مراجع فلم أجد شيئا والحمد لله، وراجع قبلي الشيخ عبد الفتاح أبو غدة-رحمه الله- فلم يجد شيئا. ورجح أن الاسم انقلب على أحدهم. و لعل الشيخ محمدا الأمين اطلع على هذا الترجيح.
الأمر الثاني الذي لاحظه الشيخ: هو البلاء الذي وجده في ترجمة إبراهيم ابن أبي يحيى- الشخص الآخر في الفقرة المحذوفة- فترجمة هذا الرجل من أسوأ التراجم في كتب الجرح والتعديل، فهو لا يصلح أن يكون نموذجا لمن يتكلم في الإمام، فضلا أن يرضي الشيخ أن ينسب إليه الدعاء عن الإمام، فحذف الشيخ الفقرة بما فيها، ولكن إلى حين.
¥