والقائل: (وابن عبد البر مالكي المذهب، لم يسرد هذه الأقوال ليطعن بالإمام مالك –وحاشاه–. إنما ذكرها ليُبَيِّنَ أن مالكاً قد طعن به أهل الحديث بسبب كراهيتهم للرأي).فأين تجد في كلام ابن عبد البر – رحمه الله – أنه قصد إلى ما تزعم؟ بل أين هم علماء الحديث الذين طعنوا في الإمام؟ أليس هذا من سوء ظنك وسوء فعلك؟
والقائل: (لم يكن الإمام مالك معروفاً في العهد الأموي الذي عاش فيه ما يقارب الأربعين عاماً، لكنه عُرِفَ أثناء خلافة المنصور الخليفة العباسي ... ).
والقائل: (وعجزه عن فرضه في العراق، لشدة كراهية العراقيين لمذهبه).
والقائل: (أما الإمام مالك فقد تعاون مع السلطة ودخل في سلكها بعد الفتنة والإطاحة بثورة النفس الزكية وأخيه إبراهيم، فدوّن لها الموطأ ... ).
والقائل: (واتخاذ هذا الموقف من قِبَلِ مالك لمصالح الحكام، جعل أُستاذه ربيعة الرأي يبتعد عنه ويكرهه، لأنه كان لا يداهن السلطان ولا يرتضي التعامل معهم ... ).
والقائل: (ومنذ أواخر عهد المنصور وحتى أواخر عهد الرشيد تمكنت الحكومة من السيطرة على الاتجاهين: فقه العراق وفقه الحجاز، وذلك بتقريبهم أبا يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني في بغداد وتقليدهم منصب القضاء، ووجود مالك في المدينة من قبل في ركابهم).
والقائل: (لم يكن مالك في حقيقة الأمر صاحب مذهب مؤسس على قواعد واضحة، وإنما كان شيخاً يفتي، ثم تحول في أواخر حياته إلى رجل تنفيذي في الدولة العباسية. وبالمفهوم الحديث يمكن القول أنه كان وزيراً للعدل والشئون الدينية، لكن تلامذته هم الذين أسسوا المذهب المالكي بعد وفاته، كما حدث في المذهب الحنفي).
والقائل: (وكان مالك كثير السخرية من خصومه، قليل الرد على أدلتهم ... ) ألستَ تصف نفسك بهذه الكلمات؟
والقائل: (فهكذا يسخر مالك من قراءة متواترة للقرآن الكريم، دون أن يُكلّف نفسه بقراءة المصحف الذي في بيته (مع أن عمه كان مقرئاً)!
والقائل: (وكان الإمام مالك يروي الحديث الصحيح ثم يقول: "ليس على هذا العمل"، دون توضيح السبب).
والقائل في إتيان المرأة في المحل المكروه عن الإمام – رحمه الله وبرأه مما تقول -:: (وروي أنه كان يفعل ذلك بنفسه). وكلمة (روي) إنما زدتها بآخرة ذرا للرماد في العيون. فهل يُثبت مثل هذا البهتان في حق الإمام، ويصر عليه بدون حجة إلاّ من بلغ أعلى درجات السوء في فعله وقوله؟
والقائل: (قصة همام القاضي الذي وطأ امرأة في دبرها على مذهب الإمام مالك، فنظم هذه الأبيات .. ) فلو اتبعك في طريقتك العاطلة الباطلة هذه أحدهم وأتاك بكثير من كلام السفهاء ممن احتج بكلام الله سبحانه على كفره وسفهه، أو بكلام المجان من الشعراء، مثل قول أبي نواس في النبيذ، واحتجاجه – مثلا - بكلام الإمامين أبي حنيفة والشافعي – رحمهما الله – في هذا؟ فماذا أنت قائل حينئذ؟
إلى غير ذلك من كلامك عن الإمام مالك وتلاميذه، بل كل كلمة في مقالك تنبئ عن سوء فعل وسوء ظن في حق الإمام – رحمه الله -. بل حتى دعاؤك الذي أضفته بآخرة استعملته استعمال اللائم للإمام وليس استعمال المترحم الداعي بحق، فقلت: (كما أن الإمام مالك –غفر الله له– قد طعن بشدة في الإمام أبي حنيفة بغير أن يذكر سبباً). وقد ذكر أهل العلم شيئا في بيان هذا الأسلوب، ووضحوا قصد التعريض فيه.
وأخيرا وليس بآخر: هلاّ رجعت إلى أهل العلم يا محمد الأمين فجلست في حلقاتهم حتى تتأدب بآدابهم الخيّرة، وتتعلم منهم كيف تضع الأدلة موضعها، وتنزلها منزلتها، هلا ذهبت إليهم فسألتهم عن تحقيق المناط وتخريجه وتدقيقه حتى لا تختلط عليك الأمور؟ وإلاّ فيحق لي أن أشتكي بمثل ما اشتكى به ريحانة الشام ابن قيم الجوزية – رحمه الله - في آخر مقدمته لكتابه الماتع النافع [مفتاح دار السعادة] إذ قال:
(فعياذا بالله ممن قصر في العلم والدين باعه، وطالت في الجهل وأذى عبادك ذراعه، فهو لجهله يرى الإحسان إساءة، والسنة بدعة، والعرف نكرا، ولظلمه يجزي بالحسنة السيئة كاملة، وبالسيئة الواحدة عشرا، قد اتخذ بطر الحق وغمط الناس سلما إلى ما يحبه من الباطل ويرضاه، لا يعرف المعروف ولا ينكر المنكر إلاّ ما وافق إرادته أو حالف هواه، يستطيل على أولياء الرسول وحزبه بأصغريه، ويجالس أهل الغي والجهالة ويزاحمهم بركبتيه، قد ارتوى من ماء آجن وتضلع، واستشرف إلى مراتب ورثة الأنبياء وتطلع، يركض في ميدان جهله مع الجاهلين، ويبرز عليهم في الجهالة فيظن أنه من السابقين، وهو عند الله ورسوله والمؤمنين عن تلك الوراثة النبوية بمعزل، وإذا أُنزل الورثة منازلهم منها فمنزلته أقصى وأبعد منزل.
نزلوا بمكة في قبائل هاشم - - ونزلت بالبيداء أبعد منزل
.......
اللهم فلك الحمد وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلاّ بك، وأنت حسبنا ونعم الوكيل).
¥