تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إما لأن هم أحدهم تبويب أصول أبي محمد وفق ترتيب فقهاء جمهور علماء المسلمين لمسائل أصول الفقه. ثم يؤيدها أو يعارضها حسب ترجيحات من كتب أصول الفقه الأخرى.

وهذا منهج غبير سديد، بل يجب قبل عرض أصول ابن حزم ترسية نظرية المعرفة أولاً، لأن نظرية المعرفة اليوم هي المدخل للعلوم جميعها، ولأن ابن حزم نفسه أرسى نظرية المعرفة البشرية قبل أن يتعرض للمعرفة الشرعية، وما فعله أبو محمد ميزة كبرى لأصوله، وافتقادها نقص في كتب الأصول الأخرى.

ثم لما صح لأبي محمد من نظرية المعرفة الشرية أن الكمال لله، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم مبلغ عن ربه واجب الطاعة معصوم، وأن العباد ملزمون باتباعه وأن بلاغه جاء بلغة العرب، ولا سبيل إلى فهم مراد الله بغير كلامه وسنة رسوله بواسطة لغة العرب .. لما صح كل ذلك ذهب يرسي نظرية المعرفة الشرعية (أصول الفقه) وجعل نظرية المعرفة البشرية وسيطاً في فهم الشرع.

وكل معرفة تحصل بنظرية المعرفة لم يكن مصدرها نصوص الشرع فهي معرفة دنيوية لا شرعية يقوم عليها نظريات التاريخ والأدب والثقافات واستنباط قوانين الكون.

ولا تكون المعرفة معرفة شرعية حتى يكون مصدرها الشرع.

ولا يصح مراد الشرع من النص الشرعي إلا بهذه القيود المأخوذة من نظرية المعرفة الشرعية:

أ ـ أن يكون النص ثابتاً على سبيل القطع والرجحان، وسبيل ذلك طرق التوثيق التاريخي التي تمحصها نظرية المعرفة البشرية.

ب ـ أن يكون النص مما يجب القطع به أو ترجيحه وإن كان مرجوحاً في طرق التوثيق التاريخي.

وذلك هو النص الشرعي الثابت بنقل الثقة عن الثقة (أي خبر الواحد).

فلا نحتاج من طرق التوثيق التاريخي هنا إلا ما نعرف به عدالة الناقل واتصال السند.

والسر في ذلك أنه ورد في قطعي الشرع أن الله حافظ دينه.

ثم كانت جمهرة النصوص من أخبار الآحاد الصحيحة فلو ردت لا ستحال فهم القرآن وتعطلت معظم الأحكام فلما رأينا تدبير الله الكوني اقتضى أن يكون معظم الشرع من خبر الواحد العدل المتصل السند.

ثم اقتضى تدبير الله الكوني أن تكون سيرة المسلمين في القرون الممدوحة قائمة على العمل بخبر الواحد.

وكنا رأينا قبل ذلك أن تدبير الله الكوني ـ بنص الشرع ـ اقتضى حفظ الدين وكماله:

علمنا أن خبر العدل الواحد يجب أن يكون قطعياً أو راجحاً.

وبناء على ضماتة الله لا يلزمنا من طرق التوثيق التاريخي إلا ما ألزمنا الله إياه من تبين حال الناقل، وبيان حاله أن يكون هو عدلا، وأن يكون المبلغ عنه عدلا إلى آخر السند.

ج ـ أن يكون النص الشرعي قطعي الدلالة أو راجحها:

أي يكون مراد الله منه مفهوماً على سبيل القطع والرجحان.

وسبيل ذلك العقل الذي جعله الله شرطاً للتكليف، ولغة العرب التي جاء بها الشرع.

فلا نقبل من فهم العقل باسم الشرع إلا ما فهمه من النص الشرعي، ولا نقبل من فهمه من النص إلا ما أقرته لغة العرب.

فاللغة تعطي العقل ما يجوز فهمه من النص.

والعقل ينحصر عمله فيما أجازته اللغة ثم يكون دوره في تعيين أحد هذه المعاني الجائزة ـ بالقطع أو الترجيح ـ إذا وجد محالا في الأخذ بها جميعها.

وليس للعقل هنا اقتراح أو إضافة وإنما عمله الاستنباط الحتمي أو الراجح لفهم الشرع على ما هو عليه.

ووسائل العقل هنا مألوف الشرع، وقطعياته التي تكونت بنصوص لا احتمال في دلالتها، وقوانين لغة العرب وضرورات الحس ومبادىء العقل الفطرية.

والعقل إذا صرف النص عن ظاهره إلى معنى آخر لضرورة برهانية أخرى فليس له ذلك إلا بما تجيزه اللغة وإن كان مرجوحاً.

مثال ذلك:

أنه ورد في صحيح مسلم أن عيسى عليه السلام يضع الجزية آخر الزمان.

فكلمة يضع في اللغة لها معنى راجح هو الإسقاط ومعنى مرجوح هو الإيجاب.

وعندنا نص شرعي آخر أن عيسى عليه السلام يحكم بشرع محمد صلى الله عليه وسلم ولا ينسخه، ومن شرع محمد إيجاب الجزية.

فلهذه الضرورة الشرعية فسرنا وضع الجزية بإيجابها وإن كان معنى مرجوحاً في اللغة، لا بإسقاطها وإن كان معنى راجحاً.

إلا أننا لم نحمله على هذا المعنى لهذه الضرورة فقط، بل حملناه على هذا المعنى لجوازه لغة مع وجود الضرورة الصارفة عن المعنى الراجح.

والعقل يحتم المراد من النص إذا لم يجد احتمالاً راجحاً غير هذا المراد.

مثال ذلك أن في سورة النساء حكم في قضية هالك ليس له وارث غير أبيه وأمه أن لأمه الثلث.

ففهم العقل فهماً حتمياً أن للأب الثلثين وإن لم يرد ذلك نصاً.

ولم يحتم العقل هذا الفهم إلا بدلالة لغوية من النص ذاته.

ذلك أنه ورد في النص أن أبويه وارثان، ولم يذكر وارثاً غيرهما، ونص على أن أحد الأبوين وهو الأم يأخذ الثلث.

فصح أن مابقي من الإرث لمن بقي من الورثة ولم يبق من الورثة بالنص غير الأب ولم يبق من الإرث بالعقل والحس غير الثلثين.

ولو جاء في الآية: وله أبوان لما تحتم هذا الفهم، وإنما تحتم بدلالة من النص وهو (وورثه أبواه) فنص على أن الأب وارث.

إذن تحرير نظرية المعرفة، وتأصيل الأصول الواعية من لغة العرب هو السبيل الوحيد لشرح المذهب الظاهري.

والسبب الثاني في إساءة المعاصرين عند شرحهم لأصول ابن حزم:

أنهم يستعرضونها استعراضاً ويلخصونها من مأخذ قريب وهو كتب ابن حزم في الأصول، ثم يمثلون لها بمسائل من تفريعات أبي محمد.

والصواب عندي أن ترصد أصوله وقواعده ومسلماته واحترازاته وتعديلاته من شتى كتبه وترتب ترتيباً منطقياً ويرصد هل اتسقت كلها معه أم تناقض فيها ويعاد النظر في تقريرها للتصور والبرهنة عليها وفق أصح النظريات في نظرية المعرفة البشرية.

ولا يحكم لأصول ابن حزم أو عليها من خلال تطبيقه في المسائل الفقهية، لأن الخطأ في التطبيق غير الخطأ في التقعيد.

وإنما يحكم فيها من خلال اطرادها وصحتها نظراً.

ومما تجب ملاحظته أن كل حكم يقوم على شرطين هما:

1ـ وجود المقتضي. 2ـ تخلف المانع.

والصرف عن الظاهر يوجبه وجود المانع مع وجود المقتضي أ. ه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير