تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا يرضون على أحد ينتقصهم أو يطعن عليهم أو يعيبهم، ويخرجونه من دائرتهم ويرونه سالكا غير سبيلهم، إذ كيف يطعن العاقل أو يذم من هم في الطليعة في التمسك بالكتاب والسنة والحرص على العمل بهما، إلا إذا كان مريضا مدخولا في فهمه وعقله، ومصابا بداء التعصب الذي يسعى أهل الحديث لعلاج أهله.

وأسلك – إن شاء الله - في هذه الحواشي الطريقة التقريرية الوصفية، وليس الدراسة التحليلية النقدية، وكان حقا أن أسلك الطريقة الثانية لما فيها من نفع وفائدة لمن ينظر في هذه التعليقات، وهي الطريقة المثلى لمن يبحث في مثل هذه المجالات، إذ صلاح المصنفات العلمية، وبيان ما يوجد في بعضها من خلل أو مزية، من أعظم طرق إصلاح التعليم، لأن بها يتكون التلميذ، وعليها يتخرج كل الأساتيذ، ولكنها محفوفة المخاطر، ويحتاج صاحبها أن يكون ممن حوى واحتوى ما في تلك الدفاتر، إضافة إلى قوة علمية، وفطرة سليمة قوية، وتلك القوة – كما يقول ابن خلدون – تحصل جزئية في علم إن كانت مكتسبة من قواعد العلم، والدربةِ على العمل به منذ النشأة، وكليةً وهي القوة الحاكمة في الفطرة - سماها المَلكَة العامة - وهي نادرة لأنها تعتمد أولا على قوة فطرية تهيئها الخلقة الأصلية، ثم يخدمها العلم والتحقيق.

والإشارة إلى ضرورة الدراسة النقدية التحليلية للمصنفات العلمية لأجدادنا الأوائل؛ لا تعني تنقصا لهم، ولا تزهيدا في علومهم، كيف وهم من فننوا العلوم، وقعدوا القواعد، وأتوا في الزمن الوجيز بالمطلب العزيز، بسبب إقبالهم على العلوم، وانقطاعهم عن زخارف الدنيا، ونصحهم لمن جاء بعدهم؛ وإنما القصد: الإصلاحُ والاستدراك على إنتاج بشري، غير معصوم من خطأ، ولا مبعد عن وهم، فما ألف الأوائل وصنفوا إلا وبين أعينهم وقوع بعض الهنات منهم، ولذلك كثر تنبيه المنصفين منهم على ضرورة استعمال النظر عند الاستفادة من كتبهم وعلومهم، والتنبيهِ على الاحتراز مما تقصر عنه عبارتهم، وعدم الاكتفاء بمجرد التقليد المحض، (فإنهم غرسوا لنُنمي، وأسسوا لنشيد، وابتدأوا لنزيد) كما قال العلامة ابن عاشور – رحمه الله -.

هذا وإني سالك في هذا السبيل طريق الاختصار ما استطعت، وربما أطيل حيث رأيت الفائدة، وأقدم عند ذكر المصنفات ما وجد له أثر، مكتفيا به عما ذهب وغبر، إذ الذي فات، لم تبق منه إلا الحسرات، وقد أذكر بعضها تذكيرا بفضل علم السلف، ولعل اسمها يثير شيئا في نفوسنا فيقوم البعض بكتابة شئ على وفق ما تَلِف، وأجتهد في الإشارة إلى مكان وجودها، وبيان طبعاتها إذا طبعت، أو من حققها إذا حققت في إحدي الجامعات، فإن كان تقصير فالأحباب ممن يطلع على هذه الكلمات يتحفنا بالتكميل، وله الشكر الجزيل، ولعلي إذا جَد الجِد؛ أنقل بعض كلام من وقف على تلك الدفاتر، مبينا لمناهجها وطرائقها في التصنيف، وغير ذلك من المهمات التي يحتاجها طلبة العلم، ثم أختصر الكلم اختصارا في الحديث عن تراجم أصحابها، كما أقتصر على ذكر المشهور من تلك الشروح والحواشي، والمتون والتقريرات، مما تصح منه الفتوى وأخذ العلم، وربما ذكرت غيرها مما نبذ وطرح حتى يتميز الأصيل من الدخيل.

واعتمادي – بعد الله – في كل ما أذكره؛ على بعض ما كتبه القدماء حول تلك المصنفات، إذ هم بها أعرف، فقد نخلوها وسردوها، وسبروا علومها وجردوها، وكان تحصيلهم لها عن طريق الرواية والدراية، وبلغ بعضهم في تحصيل علومها وفنونها أكمل غاية، ثم على بعض الدراسات العامة والخاصة من طرف جماعة من الأساتذة المعاصرين حول المذهب وبعض كتبه ورجالاته، وقد أشير أحيانا لمصادري وقد أغفل ذلك، وربما اعتمدت بعض ما سمعته شفاها من بعض الأفاضل.

وستكون تعليقاتي – إن شاء الله – متتابعة على حلقات، فربما كتبت تعليقا كل يوم، وربما أكتب بعد اليومين أو الثلاث، حتى إذا استوت – إن شاء الله - على سوقها، وأكمل الله المرجو من مقصودها، أهدي فوائدها – إن وجدت – لكل الأحباب في الملتقى، وأخص بالذكر منهم الشيخ زياد لفضله وسبقه، والشيخ عبد القاهر لنبله وكرمه، ولأنه من دعاني إلى كتابة هذه الحواشي، ولأخي أبي محمد الحمادي لتواضعه ومحبته ووده وتشجيعه، فعندهم – حفظهم الله – الصغير يكبر، والقليل يكثر.

لا تنكرن إهداءنا لك منطقا - - منك استفدنا حسنه ونظامه

فالله عز وجل يشكر فعل من - - يتلو عليه وحيه وكلامه

وأسأل الله أن أكون بعملي هذا قد سننت سنة دنيوية حسنة، وجئت لأهل الملتقى بفضيلة متبَعة، القصد منها حث الإخوان على المحبة والصفا، والصدق والوفا، مستعيذا بالله من أن أكون ممن أحدث أمرا نكرا، وخالف ما عليه عمل أهل الملتقى، فالمالكية لهم احتفاء بالعمل، والتزام بما عليه الجماعة الأُوَل، وعلى الله قصد السبيل، وما قضاه وقدره فما عنه من تحويل، وهو حسبنا ونعم الوكيل، فيا أيها الناظر في هذه الكلمات على قِلتها، إن رأيت خيرا فغنيمة سيقت إليك من غير مظنتها، وإن ألفيت سوءا فوزرها على من خطها، وأطمع منك في الصواب دعوة مستجابَة، وفي الزلل التوجيه والنصيحة إلى ما أخطأت صوابَه.

كتبه: أبو عبد الله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير