تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأصل هذه الأمهات ولحمتها؛ الأسمعة عن الإمام، وأجوبته عن أسئلة تلاميذه التي تلقوها عنه، وبيانه لأحكام كثير من النوازل في عصره، وما ارتضاه واختاره من أحكام مَن قبله من الصحابة والتابعين، أو أحكام بعض الولاة بالمدينة ممن عاصرهم ... وقام تلاميذه بتدوينها في مجالس مختلفة وسنوات متباعدة عنه ...

والكلام يطول في الحديث عن هذه السماعات، وأقسامها من حيث صحة نسبتها للإمام، وعن نسبتها لأصحابها الذين دونوها، والتعريف بهم، وتنوع مواطنهم، ... وعن أهم السماعات التي دونت من طرف الطبقات الأولى لتلاميذ الإمام ... وغير ذلك من المباحث التي تظل يحكمها - غالبا – التخمين والحدس بعد غياب أصول هذه السماعات عنا بين فقدان نهائي لمعظمها، ووجود ضئيل جدا لبعضها قابع في بعض الخزائن لا تكاد تطاله يد باحث، ولم يبق للباحثين إلا الاعتماد على ما جاء من بقايا هذه السماعات في الكتب المدونة، أو ما يوجد من بقايا حديث عنها في كتب الطبقات والتراجم ... على عوز.

يقول الدكتور محمد العلمي متحدثا عن هذه السماعات ومبينا لبعض خصائصها: (تركبت المصنفات الأساسية للمالكية في الفقه وأمهاتهم في الفتوى من سماعات كثيرة عن مالك اجتلبها إلى البلاد المختلفة أئمة الرحلة وحذاق التلاميذ الذين كانوا طلائع الرأي المالكي فيها.

وقد ابتدر الجيل اللاحق هذه السماعات بالتصنيف، ولم يكد ينتهي القرن الرابع حتى كانت فحاوى ونصوص هذه السماعات مستقرة في بطون الكتب وأطواء الدواوين.

لكن السؤال يظل مطروحا حول عدة قضايا متصلة بجذور المصنفات التي احتوت هذه السماعات، خاصة وأنها لم تكن مخلصة لمتونها ولا راعية لها كنصوص ينبغي استمرار نسبتها بألفاظها إلى أصحابها.

لقدا تعامل العلماء المصنفون تعاملا فقهيا مع السماعات، وقلة هي المصنفات التي أبقت على النصوص الأولى كما جاءت، بل كان انشغالهم منكبا على التخريج والقياس والتنتيج، واقتصر التوثيق على مدى صحة نسبة الأقوال وسلامة الروايات من ضعف النقل، أو سوء التحميل.

وهذا يزيد من إشكال البحث الرامي إلى بناء النصوص الأولى للمذهب المالكي، وكشف الأصول التي تركبت منها المصنفات المعتمدة، ويوسع دائرة التخمين والحدس والاحتمال في تأريخ الدرس المالكي الأول ووصف الكتب التي تلقاها تلاميذ مالك عنه.

الخصائص المنهجية للسماعات:

كتب السماعات أو الأجوبة والمسائل، أو ما غدا يوصف بالمسائل المختلطة المروية عن مالك وطبقة تلاميذه الآخذين عنه هي المصدر الرئيس للرواية المذهبية، والقاعدة الصلبة للفقه المالكي بعد الموطإ.

وهذه السماعات لا تختلف عن الفتاوى وجوابات العلماء التي جرى العرف العلمي على إلقائها على الطلبة مجالس وأمالي وتعاليق عبر العصور.

لكن قيمة السماعات عن مالك وتلاميذه صدرت من كون محتوياتها ومضامينها فتاوى مالك وأقواله التي أنزلت في مقلديه منزلة أقوال صاحب الشرع كما يقول ابن خلدون.

والسماعات المدونة عن مالك قسمان:

1 - قد تكون جوابات عن أسئلة من سؤالات النوازل التي قد تقع ويسأل عنها مالك، بحيث ثبت أن حكام المدينة كانوا يستشيرونه في ما ينزل بهم من نوازل الخصوم، المدارك [2/ 57 - 58] كما كان تلاميذه في الأمصار المختلفة يحيلون عليه ما يعسر عنهم جوابه أو يتوقفون عليه تورعا، منهم ابن القاسم، ويحكي سحنون قال: (كنت عند ابن القاسم وجوابات مالك ترد عليه) المدارك 4/ 46. وابن غانم قاضي القيروان الذي أخذ عن مالك وتتلمذ عليه كان (يوجه أبا عثمان < أي حاتم بن عثمان المعافري > أيام قضائه إلى مالك فيما ينزل به من نوازل الخصوم، فيأخذ له عليها الأجوبة من مالك) المدارك 3/ 69، وفي موطن آخر يقول أبو عثمان هذا (أتيت مالكا بمسائل ابن غانم .. ثم كتب الأجوبة)، وهكذا في ترجمة ابن فروخ في سياق زيارته لمالك (أتاه سائل من أهل المغرب بمسائل من الجنايات فقرئت عليه .. فقال السائل: أهذا جوابك يا أبا عبد الله فقال مالك: هذا جوابي). المدارك 3/ 108.

2 - وقد تكون السماعات عن الإمام مالك جوابات منه عن أسئلة الطلاب، التي كان يسمح بها بمقدار ما يرى من أهليتهم ومستواهم وجديتهم سواء وقعت فعلا أم لم تقع.

وتتسم هذه الأسمعة بخواص منهجية أذكر منها:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير