مِنْ أَمْوَالِهِم [(النساء: 34) وأن المرأة يجب أن تكون مُدَبِّرة المنزل ومربِّية
الأولاد لرقتها وصبرها، وكونها كما قلنا من قبل واسطة في الإحساس والتعقل بين
الرجل والطفل؛ فيحسن أن تكون واسطة لنقل الطفل الذكر بالتدريج إلى الاستعداد
للرجوليَّة، ولجعل البنت كما يجب أن تكون من اللطف والدعة والاستعداد لعملها
الطبيعي، وإن شئت فقل في بيان هذه المسألة أن البيت مملكة صغرى كما أن
مجموع البيوت هو المملكة الكبرى , فللمرأة في هذه المملكة إدارة نظارة الداخلية
والمعارف، وللرجل مع الرياسة العامة إدارة نظارات المالية والأشغال العمومية
والحربية والخارجية، وإذا كان من نظام الفطرة أن تكون المرأة في البيت، وعملها
محصورًا فيه لضعفها عن العمل الآخر بطبيعتها، وبما يعوقها من الحَبَل والولادة،
ومداراة الأطفال، وكانت بذلك عالة على الرجل، كان من الشطط تكليفها بالمعيشة
الاستقلالية، بله السيادة والقيام على الرجل. وإذا صح أن المرأة يجب أن تكون في
كفالة الرجل , وأن الرجال قوَّامون على النساء كما هو ظاهر فماذا نعمل والنساء
أكثر من الرجال عددًا؟ ألا ينبغي أن يكون في نظام الاجتماع البشري أن يباح
للرجل الواحد كفالة عددة نساء عند الحاجة إلى ذلك لا سيما في أعقاب الحروب التي
تجتاح الرجال، وتدع النساء لا كافل للكثير منهن ولا نصير؟ ويزيد بعضهم على
هذا أن الرجل في خارج المنزل يتيسير له أن يستعين على أعماله بكثير من الناس،
ولكن المنزل لا يشتمل على غير أهله، وقد تمس الحاجة إلى مساعد للمرأة على
أعماله الكثيرة كما تقضي قواعد علم الاقتصاد في توزيع الأعمال، ولايمكن أن
يكون من يساعدها في البيت من الرجال، لما في ذلك من المفاسد فمن المصلحة على
هذا أن يكون في البيت عدة نساء مصلحتهن عمارته - كذا قال بعضهم - فهذه
مقدمة رابعة.
وإذا رجعت معي إلى البحث في تاريخ النشوء البشري في الزواج والبيوت
(العائلات) أو في الازدواج والإنتاج، نجد أن الرجل لم يكن في أمة من الأمم يكتفي
بامرأة واحدة كما هو شأن أكثر الحيوانات، وليس هذا بمحل لبيان السبب الطبيعي
في ذلك، بل ثبت بالبحث أن القبائل المتوحشة كان فيها النساء حقًّا مشاعًا للرجال
بحسب التراضي، وكانت الأمّ هي رئيسة البيت , إذ الأب غير متعين في الغالب،
وكان كلما ارتقى الإنسان يشعر بضرر هذا الشيوع والاختلاط , ويميل إلى
الاختصاص؛ فكان أول اختصاص في القبيلة أن يكون نساؤها لرجالها دون رجال
قبيلة أخرى، وما زالوا يرتقون حتى وصلوا إلى اختصاص الرجل الواحد بعدة نساء
من غير تقيد بعدد مُعين، بل حسب ما يتيسر له فانتقل بهذا تاريخ البيوت
(العائلات) إلى دور جديد، صار فيه الأب عمود النسب وأساس البيت كما بَيَّنَ ذلك
بعض علماء الألمان والإنكليز المتأخرين في كتب لهم في تاريخ البيوت (العائلات) ,
ومن هنا يزعم الإفرنج أن نهاية الارتقاء هو أن يختص الرجل الواحد بامرأة
واحدة وهو مُسَلَّم، وينبغي أن يكون هذا هو الأصل في البيوت، ولكن ماذا يقولون
في العوارض الطبيعية والاجتماعية التي تُلجئ إلى أن يكفل الرجل عدة من النساء
لمصلحتهن، ومصلحة الأمة، ولاستعداده الطبيعي لذلك؟ وليخبرونا: هل رضي
الرجال بهذا الاختصاص وقنعوا بالزواج الفردي في أمة من الأمم إلى اليوم؟ أيوجد
في أوربا في كل مائة ألفٍ رجلٌ لا يزني؟ كلا، إن الرجل بمقتضى طبيعته
وملكاته الوراثية لا يكتفي بامرأة واحدة؛ إذ المرأة لا تكون في كل وقت مستعدة
لغشيان الرجل إياها، كما أنها لا تكون في كل وقت مستعدة لثمرة هذا الغشيان
وفائدته، وهو النسل، فَدَاعية الغَشَيَان في الرجل لا تنحصر في وقت دون وقت،
ولكن قبوله من المرأة محصور في أوقات، وممنوع في غيرها. فالداعية الطبيعية
في المرأة لقبول الرجل إنما تكون مع اعتدال الفطرة عُقَيْب الطُّهر من الحيض،
وأما في حال الحيض، وحال الحمل والأثقال فتأبى طبيعتها ذلك، وأظن أنه لولا
توطين المرأة نفسها على إرضاء الرجل، والحظوة عنده، ولولا ما يحدثه التذكر
والتخيل للذة وقعت في إبانها من التعمل لاستعادتها - لا سيما مع تأثير التربية
والعادات العمومية - لكان النساء يأبَيْن الرجال في أكثر أيام الطُّهر التي يكن فيها
¥