وقد جاء الإسلام , وبعض العرب تحته عشر نسوة، وأسلم غيلان رضي الله عنه، وعنده نسوة؛ فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإمساك أربعة منهن , ومفارقة الباقيات، وأسلم قيس بن الحارث الأسدي وتحته ثمان نسوة؛ فأمره بأن يختار منهن أربعًا، وأن يخلي ما بقي، فسبب الإكثار من الزوجات إنما هو الميل إلى التمتع بتلك اللذة المعروفة , وبكثرة النساء، وقد كان العرب قبل البعثة في شقاق , وقتال دائمين، والقتال إنما كان بين الرجال، فكان عدد الرجال ينقص بالقتل , فيبقى كثير من النساء بلا أزواج، فمن كانت عنده قوة بدنية , وسعة في المال كانت تذهب نفسه وراء التمتع بالنساء، فيجد منهن ما يرضي شهوته، ولا يزال يتنقل من زوجة إلى أخرى ما دام في بدنه قوة، وفي ماله سعة، وكان العرب ينكحون النساء بالاسترقاق، ولكن لا يستكثرون من ذلك، بل كان الرجل يأخذ السبايا , فيختار منهن واحدة، ثم يوزع على رجاله ما بقي واحدة واحدة , ولم يعرف أن أحدًا منهم اختار لنفسه عدة منهن، أو وهب لأحد رجاله كذلك دفعة واحدة.
... (السؤال الثاني) على أي صورة كان الناس يعملون بهذه العادة في بلاد العرب خاصة؟
(ج) كان عملهم على النحو الذي ذكرته: إما بالتزوج واحدة بعد واحدة، أو بالتسري , وأخذ سرية بعد أخرى، أو جمع سرية إلى زوجة، أو زوجة إلى سرية، ولم يكن النساء إلا متاعًا للشهوة لا يرعى فيهن حق، ولا يؤخذ فيهن بعدل، حتى جاء الإسلام؛ فشرع لهن الحقوق , وفرض فيهن العدل.
... (السؤال الثالث) كيف أصلح نبينا صلى الله عليه وسلم هذه العادة , وكيف كان يفهمها؟ (ج) جاء صلى الله عليه وسلم , وحال الرجال مع النساء كما ذكرنا لا فرق بين متزوجة وسرية في المعاملة، ولا حد لما يبتغي الرجل من الزوجات، فأراد الله أن يجعل في شرعه صلى الله عليه وسلم رحمةً بالنساء , وتقريرًا لحقوقهن، وحكمًا عدلاً يرتفع به شأنهن، وليس الأمر كما يقول كتبة الأوربيين: (إن ما كان عند العرب عادة جعله الإسلام دينًا)، وإنما أخذ الإفرنج ما ذهبوا إليه من سوء استعمال المسلمين لدينهم , وليس له مأخذ صحيح منه.
حكم تعدد الزوجات جاء في قوله تعالى في سورة النساء: [وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ] (النساء: 3).
كان الرجل من العرب يكفل اليتيمة , فيعجبه جمالها ومالها , فإن كانت تحل له؛ تزوجها , وأعطاها من المهر دون ما تستحق , وأساء صحبتها , وقتَّر في الإنفاق عليها , وأكل مالها، فنهى الله المؤمنين عن ذلك , وشدد عليهم في الامتناع عنه، وأمرهم أن يؤتوا اليتامى أموالهم، وحذرهم من أن يأكلوا أموالهم، ثم قال لهم: إن كان ضعف اليتيمات يجركم إلى ظلمهن , وخفتم ألا تقسطوا فيهن إذا تزوجتموهن , وأن يطغى فيكم سلطان الزوجية , فتأكلوا أموالهن , وتستذلوهن، فدونكم النساء سواهن , فانكحوا ما يطيب لكم منهن من ذوات جمال ومال من واحدة إلى أربع، ولكن ذلك على شرط أن تعدلوا بينهن، فلا يباح لأحد من المسلمين أن يزيد في الزوجات على واحدة إلا إذا وثق بأن يراعي حق كل واحدة منهن , ويقوم بينهن بالقسط , ولا يفضل إحداهن على الأخرى في أي أمر حسن يتعلق بحقوق الزوجية التي تجب مراعاتها، فإذا ظن أنه إذا تزوج فوق الواحدة لا يستطيع العدل؛ وجب عليه أن يكتفي بواحدة فقط، فتراه قد جاء في أمر تعدد الزوجات بعبارة تدل على مجرد الإباحة على شرط العدل، فإن ظن الجور؛ منعت الزيادة على الواحدة، وليس في ذلك ترغيب في التعدد , بل فيه تبغيض له، وقد قال في الآية الأخرى: [وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ المَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً] (النساء: 129) فإذا كان العدل غير مستطاع , والخوف من العدل يوجب الاقتصار على الواحدة؛ فما أعظم الحرج في الزيادة عليها! فالإسلام قد خفف الإكثار من الزوجات , ووقف عند الأربعة، ثم إنه شدد الأمر على المكثرين إلى حد لو عقلوه لما زاد واحد
¥