بأود نفسها، وأود وَلَدْ ليس له والد، لا سيما عقيب الولادة ومدة الرضاعة، بل
الطفولية كلها. وما قال من قال من كاتبات الإنكليز بوجوب تعدد الزوجات إلا بعد
النظر في حال البنات اللواتي يشتغلن في المعامل وغيرها من الأماكن العمومية ,
وما يعرض لهنّ من هتك الأعراض والوقوع في الشقاء والبلاء، ولكن لَمَّا كانت
الأسباب التي تبيح تعدد الزوجات هي ضرورات تتقدر بقدرها، وكان الرجال إنما
يندفعون إلى هذا الأمر في الغالب إرضاء للشهوة لا عملاً بالمصلحة، وكان الكمال
الذي هو الأصل المطلوب عدم التعدد؛ جعل التعدد في الإسلام رخصةً لا واجبًا ولا
مندوبًا لذاته، وقيد بالشرط الذي نطقت به الآية الكريمة , وأكدته تأكيدًا مكررًا
فتأملها.
قال تعالى:] وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ
النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى
أَلاَّ تَعُولُوا [(النساء: 3) ... إلخ؛ فأنت ترى أن الكلام كان في حقوق الأيتام،
ولَمَّا كان في الناس من يتزوج باليتيمة الغنية ليتمع بمالها، ويهضم حقوقها لضعفها،
حذَّر الله من ذلك وقال: إن النساء أمامكم كثيرات , فإذا لم تثقوا من أنفسكم
بالقسط في اليتامى إذا تزوجتم بهنّ فعليكم بغيرهنّ، فذكر مسألة التعدد بشرطها
ضمنًا لا استقلالاً، والإفرنج يظنون أنها مسألة من مهمات الدين في الإسلام ثم قال:
] فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [(النساء: 3) , ولم يكتف بذلك حتى قال:] ذَلِكَ
أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا [(النساء: 3) أي أن الاكتفاء بواحدة أدنى وأقرب لعدم
العول، وهو الجور والميل إلى أحد الجانبين دون الآخر , من عال الميزان إذا مال،
وهو الأرجح في تفسير الكلمة، فأكد أمر العدل، وجعل مجرد توقع الإنسان عدم
العدل من نفسه كافّ في المنع من التعدد، ولا يكاد يوجد أحد يتزوج بثانية لغير
حاجة وغرض صحيح يأمن الجور؛ لذلك كان لنا أن نحكم بأن الذّواقين الذين
يتزوجون كثيرًا لمجرد التنقل في التمتع يوطنون أنفسهم على ظلم الأُولَى، ومنهم
من يتزوج لأجل أن يغيظها ويهينها، ولا شك أن هذا محرم في الإسلام لِمَا فيه من
الظلم الذي هو خراب البيوت، بل وخراب الأمم، والناس عنه غافلون باتباع
أهوائهم.
هذا ما ظهر لنا الآن في الجواب، كتبناه بقلم العجلة على أننا كنا قد أرجأنا
الجواب لنمعن في المسألة، ونراجع كتابًا أو رسالة في موضوعها لأحد علماء
ألمانيا قيل لنا: إنها ترجمت وطبعت فلم يتيسر لنا ذلك فإن بقي في نفس السائل
شيء فليراجعنا فيه والله الموفق والمعين.
* * *
((مجلة المنار ـ المجلد [7] الجزء [6] صـ 231 16 ربيع الأول 1322 ـ 1 يونيه 1904))
====================
تعدد الزوجات
وجدت بين أوراق شيخنا الأستاذ الإمام الفتاوى الآتية , فأحببت نشرها؛ لتصدي الحكومة المصرية لتقييد إباحة التعدد , وكثرة الكلام فيه وهي:
(السؤال الأول) ما منشأ تعدد الزوجات في بلاد العرب (أو في الشرق على الجملة) قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم؟
(ج) ليس تعدد الزوجات من خواص المشرق، ولا وحدة الزوجة من خواص المغرب، بل في المشرق شعوب لا تعرف تعدد الزوجات كالتبت , والمغول، وفي الغرب شعوب كان عندها تعدد الزوجات كالغولوا , والجرمانيين، ففي زمن سيزار كان تعدد الزوجات شائعًا عند الغولوا، وكان معروفًا عند الجرمانيين في زمن ناسيت، بل أباحه بعض البابوات لبعض الملوك بعد دخول الدين المسيحي إلى أوربة كشرلمان ملك فرانسا، وكان ذلك بعد الإسلام [1].
كان الرؤساء , وأهل الثروة يميلون إلى تعدد الزوجات في بلاد يزيد فيها عدد النساء على عدد الرجال توسعًا في التمتع، وكانت البلاد العربية مما تجري فيها هذه العادة لا إلى حد محدود، فكان الرجل يتزوج من النساء ما تسمح له , أو تحمله عليه قوة الرجولية، وسعة الثروة للإنفاق عليهن , وعلى ما يأتي له من الولد.
¥