إذ قد تبين من أول الحديث المذكور ومن غيره مما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة أن اليهود والنصارى لا يصبغون لحاهم، ما يبيّن نكارة هذا اللفظ بأن أهل الكتاب يقصون لحاهم ويوفّرون سبالهم، فأين موضع مخالفتهم في صبغ اللحى المقصوصة!!!
وأيضاً فإن حلق اللحى أو قصها ليس معروفاً عند أهل الكتاب، وإنما هو من فعل المجوس، لما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وفّروا اللحى وقصّوا الشوارب خالفوا المجوس" ولم يذكر اليهود ولا النصارى إلا في مخالفتهم في تغيير الشيب بالصبغ، فهم ممن يوفرون لحاهم لا كالمجوس.
وأيضاً حديث أبي أمامة هو من رواية القاسم بن عبدالرحمن، وقد أنكر الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ أحاديثه وبيّن أن النكارة في رواياته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ص169/ ذكر الكاتب معنى "أرخوا" الذي جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وخلص إلى أن الإرخاء يعني: (ما يناسب اللين والمدَّ والتطويل) ثم قال بعد ذلك: "فيكون الوجه في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "أرخوا اللحى" أرسلوها وأطلقوها لا تتعرضوا لها بقطع أو تقييد، والذي يمكن أن يسمى قطعاً وتقييداً إنما هو إزالتها بحلق أو نحوه أو قصُّها"
قلت: بل الوجه في معنى "أرخوا" أرسلوها وأطلقوها لا تتعرضوا لها بقطع أو تقييد، والذي يسمى قطعاً وتقييداً أنما هو قصها حتى لا يبقى فيها لينٌ ومدٌّ وتطويل، كفعل بعض أهل زماننا ممن يقصون لحاهم حتى تقصر وتشتدّ فلا يبقى فيها لينٌ أو تطويلٌ أو مدّ.
ص197/ ذكر الكاتب نماذج من أوامر النبي صلى الله عليه وسلم في غير اللحية فيها الأمر بمخالفة اليهود، وهو حديث الصلاة في النعال أو مخالفة اليهود والنصارى، وهو حديث صبغ الشيب.
*أما حديث الأمر بالصلاة في النعال ومخالفة اليهود، فقد صُرف الأمر عن الوجوب، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر التخيير في الانتعال وعدمه، وقد ذكره الكاتب فلا معنى لذكر هذا المثال!!
*وأما حديث الأمر بصبغ الشيب ومخالفة اليهود والنصارى في ذلك، فقد اختلف فيه أهل العلم وقد قال بوجوبه الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ وفي روايةٍ عنه ولو مرة واحدة، كما في فتح الباري (10/ 355) وانظر كتاب "الترجّل" للخلاّل طبعة مكتبة المعارف (ص121، ص124).
وأما من ذهب إلى عدم الوجوب فإنهم صرفوه بحديث أنس ـ رضي الله عنه ـ بأن النبي صلى الله عليه وسلم (لم يخضب).
وردّ الإمام أحمد بأن غير أنس ـ رضي الله عنه ـ شهدوا بالخضاب، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، ومن حفظ فمعه زيادة علم. وانظر (الترجل ص125) وانظر أيضاً (تهذيب الآثار، مسند الزبير ص451 ـ 519).
فأين هذا المثال والذي قبله، من أحاديث الأمر بإعفاء اللحى وحفّ الشوارب التي لا صارف لها ولم يختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في العمل بها، وأيضاً يقال بأن الأمر بالصبغ طلب فعل، والأمر بإعفاء اللحية طلب ترك، والترك آكد، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عن شيء فاجتنبوه".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ص201/ وذكر الكاتب أيضاً أكلة السَحَر، وأنها فرقٌ بين صيام المسلمين وأهل الكتاب، قال: وهذا ليس بواجب.
قلت: عدم الوجوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بمخالفتهم، وإنما قال: "فصلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السَحَر"، وأما الأمر في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "تسحروا فإن في السحور بركة" فالعلّة منصوصة وهي حصول البركة، فصُرف الأمر بها عن الوجوب، إذْ لا يقال لمن ترك البركة بأنه آثم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ص198/ وذكر الكاتب أيضاً فرق الشعر، مستدلاً بذلك على أن المخالفة ليست واجبة كما هي في اللحية.
قلت: لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أمر ولا نهي من قوله، وإنما هو فعلٌ خالف فيه أهل الكتاب من غير أن يأمر بذلك، فدلّ على الاستحباب، وأين ذلك من الأوامر الصريحة في شأن اللحية.
(تنبيهات)
¥