تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لقد قلد ابن حزم في إعلاله الحديث بالانقطاع بين البخاري وشيخه هشام، وأعرض عن رد الحفاظ بحق عليه، بطراً وكبراً، وزاد عليه فاختلق علة من عنده، لم يقل بها حتى مقلده ابن حزم! فادعى جهالة رواية (عطية بن قيس)، مخالفا في ذلك كل الحفاظ الذين ترجموا له ووثقوه، كما خالف أكثر من عشرة من الحفاظ الذين صرحوا بصحة الحديث وقوة إسناده، وجمهورهم رد على ابن حزم المقلَّد من ذاك المقلَِّد، وهو على علم بكل ذلك، على حد المثل القائل: (عنزة ولو طارت)!

وزعم أن قول البخاري: " قال لي فلان " مثل قوله: " قال فلان "! كلاهما في حكم المنقطع! فنسب إلى البخاري التدليس الصريح الذي لا يرضاه لنفسه عاقل، حتى ولا هو هذا الجاني بجله على نفسه بنفسه، وإلا لزمه أن لا يصدق هو إذا قال في كلامه: " قال لي فلان "! نعوذ بالله من الجهل والعجب والغرور والخذلان.

ومن ذلك أنه صرح بإنكار وجود لفظ " المعازف " في رواية البيهقي وابن حجر في حديث بشر بن بكر، وهو فيها كما رأيت، وتجاهل رواية ابن عساكر المتقدمة لتي فيها اللفظ المذكور، فلم يتعرض لها بذكر، وهو على علم بها، فقد رآها في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " التي صب رده عليها في تضعيفه لهذا الحديث، إلى غير ذلك من المآسي والمخازي، نسأل الله السلامة.

هذا، ولم يتفرد به (عطية بن قيس) الثقة رغم أنف المضعّف المكابر، بل قد تابعه اثنان:

أحدهما: مالك بن أبي مريم قال: عن عبد الرحمن بن غنم أنه سمع أبا مالك الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

" لَيَشَرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، يضرب عَلَى رؤُوِسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالقينات، يَخْسِفُ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ. وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيِرَ ".

أخرجه البخاري في " التاريخ " (1/ 1 / 305) قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن حاتم بن حريث عن مالك بن أبي مريم به.

وقال في ترجمة (كعب بن عاصم الأشعري) كنيته أبو مالك، ويقال: اسم (أبي مالك) (عمرو) أيضا، له صحبة، قال: وقال لي أبو صالح: عن معاوية بن صالح به مختصرا، وأخرجه بتمامه ابن ماجه (4020) وابن حبان (1384 - موارد) والبيهقي (8/ 295 و 10/ 231) وابن أبي شيبة في " المصنف " (8/ 107/ 3810) وأحمد (5/ 342) والمحاملي في " الأمالي " (101/ 61)، وابن الأعرابي في " معجمه " (ق 182/ 1) والطبراني في " المعجم الكبير " (3/ 320 - 321) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (16/ 229 - 230) والحافظ في " تغليق التعليق " (5/ 20 - 21) من طرق عن معاوية بن صالح به.

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير مالك هذا فإنه لا يعرف إلا برواية حاتم عنه، فهو مجهول، ولذلك قال الحافظ فيه: " مقبول "؛ أي عند المتابعة كما هنا، ومع ذلك ذكره ابن حبان في " الثقات " (5/ 386)، ولعله عمدة سكوت المنذري في " الترغيب " (3/ 187) على تصحيح ابن حبان إياه، ولذلك صدره بقوله: (عن)، وقول ابن القيم في موضعين من " الإغاثة " (1/ 347 و 361):

" وهذا إسناد صحيح "! وحسنه ابن تيمية كما سيأتي.

نعم؛ الحديث صحيح بما تقدم وبالمتابعة الآتية، ولجملة المسخ منه شواهد كثيرة في " الصحيحة " (1887).

وأما قول المضعف المغرور الذي لم يقنع في تضعيف هذا الإسناد بالجهالة المذكورة التي كنت صرحت بها في " الصحيحة (90)، بل أضاف إلى ذلك التشكيك في ثقة حاتم بن حريث، فقال في آخر مقاله الذي تقدمت الإشارة إليه:

" وحاتم فيه ضعف ونظر، في أمره جهالة حال "!

فأقول: ليتأمل القارئ هذه الحذقلة أو الفلسفة؛ فإن الجملة الأخيرة (الجهالة) هي التي قالها بعض الأئمة، وليست معتمدة كما يأتي بيانه، وأما ما قبلها فلغو وسفسطة أو تدليس، لأن أحدا من الأئمة لم يضعفه، ولم يقل: فيه نظر، غاية ما ذكر فيه قول ابن معين: " لا أعرفه "، ومع ذلك فقد رده تلميذه عثمان بن سعيد الدارمي الإمام الحافظ، فقال في " تاريخه عن ابن معين " (101/ 287):

" قلت: فحاتم بن حريث الطائي كيف هو؟ فقال: لا أعرفه ".

فقال عثمان عقبه:

" هو شامي ثقة ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير