تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

* ومن الأمور الّتي تكره للمضحّي بعد التّضحية إعطاء الجزّار ونحوه أجرته من الأضحيّة فهو مكروهٌ تحريماً، لأنّه كالبيع بما يستهلك، لحديث عليٍّ رضي الله عنه قال: «أمرني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأقسّم جلودها وجلالها، وأمرني ألاّ أعطي الجزّار منها شيئاً، وقال: نحن نعطيه من عندنا». (وخرج بالبيع وإعطاء الأجرة) الانتفاع بالجلد وغيره من الأضحيّة الّتي لم يجب التّصدّق بها، كما لو جعل سقاءً للماء أو اللّبن أو غيرهما، أو فرواً للجلوس واللّبس، أو صنع منه غربالٌ أو غير ذلك فهو جائزٌ، ولأنّه يجوز الانتفاع بلحمها بالأكل وبشحمها بالأكل والادّهان فكذا بجلدها وسائر أجزائها. هذا مذهب الحنفيّة. وصرّح المالكيّة بمنع إعطاء الجزّار في مقابلة جزارته أو بعضها شيئاً منها، سواءٌ كانت مجزئةً، أم غير مجزئةٍ كالّتي ذبحت يوم النّحر قبل ذبح ضحيّة الإمام، وكالتي تعيّبت حالة الذّبح أو قبله. وأجازوا تأجير جلدها على الرّاجح. وقال الشّافعيّة والحنابلة: يحرم إعطاء الجازر في أجرته شيئاً منها، لحديث عليٍّ رضي الله عنه السّابق ذكره. فإن دفع إليه لفقره أو على سبيل الهديّة فلا بأس، وله أن ينتفع بجلدها، ولا يجوز أن يبيعه ولا شيئاً منها.

النّيابة في ذبح الأضحيّة:

* اتّفق الفقهاء على أنّه تصحّ النّيابة في ذبح الأضحيّة إذا كان النّائب مسلماً، لحديث فاطمة السّابق: «يا فاطمة قومي إلى أضحيّتك فاشهديها» لأنّ فيه إقراراً على حكم النّيابة. والأفضل أن يذبح بنفسه إلاّ لضرورةٍ. وذهب الجمهور إلى صحّة التّضحية مع الكراهة إذا كان النّائب كتابيّاً، لأنّه من أهل الذّكاة، وذهب المالكيّة - وهو قولٌ محكيٌّ عن أحمد - إلى عدم صحّة إنابته، فإن ذبح لم تقع التّضحية وإن حلّ أكلها. والنّيابة تتحقّق بالإذن لغيره نصّاً، كأن يقول: أذنتك أو وكّلتك أو اذبح هذه الشّاة، أو دلالةً كما لو اشترى إنسانٌ شاةً للأضحيّة فأضجعها وشدّ قوائمها في أيّام النّحر، فجاء إنسانٌ آخر وذبحها من غير أمرٍ فإنّ، التّضحية تجزئ عن صاحبها عند أبي حنيفة والصّاحبين.

* ويرى الحنفيّة والحنابلة أنّه إذا غلط كلّ واحدٍ من المضحّيين فذبح أضحيّة الآخر أجزأت، لوجود الرّضى منهما دلالةً. وذهب المالكيّة إلى أنّه لا يجزئ عن أيٍّ منهما. ولم نطّلع على رأيٍ للشّافعيّة في ذلك.

التّضحية عن الميّت:

* إذا أوصى الميّت بالتّضحية عنه، أو وقف وقفاً لذلك جاز بالاتّفاق. فإن كانت واجبةً بالنّذر وغيره وجب على الوارث إنفاذ ذلك. أمّا إذا لم يوص بها فأراد الوارث أو غيره أن يضحّي عنه من مال نفسه، فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى جواز التّضحية عنه، إلاّ أنّ المالكيّة أجازوا ذلك مع الكراهة. وإنّما أجازوه لأنّ الموت لا يمنع التّقرّب عن الميّت كما في الصّدقة والحجّ. وقد صحّ «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ضحّى بكبشين أحدهما عن نفسه، والآخر عمّن لم يضحّ من أمّته». وعلى هذا لو اشترك سبعةٌ في بدنةٍ فمات أحدهم قبل الذّبح، فقال ورثته - وكانوا بالغين - اذبحوا عنه، جاز ذلك. وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الذّبح عن الميّت لا يجوز بغير وصيّةٍ أو وقفٍ.

هل يقوم غير الأضحيّة من الصّدقات مقامها؟

* لا يقوم غير الأضحيّة من الصّدقات مقامها حتّى لو تصدّق إنسانٌ بشاةٍ حيّةٍ أو بقيمتها في أيّام النّحر لم يكن ذلك مغنياً له عن الأضحيّة، لا سيّما إذا كانت واجبةً، وذلك أنّ الوجوب تعلّق بإراقة الدّم، والأصل أنّ الوجوب إذا تعلّق بفعلٍ معيّنٍ لا يقوم غيره مقامه كالصّلاة والصّوم بخلاف الزّكاة، فإنّ الواجب فيها عند أبي حنيفة والصّاحبين أداء مالٍ يكون جزءاً من النّصاب أو مثله، لينتفع به المتصدّق عليه، وعند بعضهم الواجب أداء جزءٍ من النّصاب من حيث إنّه مالٌ لا من حيث إنّه جزءٌ من النّصاب، لأنّ مبنى وجوب الزّكاة على التّيسير، والتّيسير في الوجوب من حيث إنّه مالٌ لا من حيث إنّه العين والصّورة، وبخلاف صدقة الفطر فإنّها تؤدّى بالقيمة عند الحنفيّة، لأنّ العلّة الّتي نصّ الشّارع عليها في وجوب صدقة الفطر هي الإغناء. قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «أغنوهم عن الطّواف في هذا اليوم»، والإغناء يحصل بأداء القيمة.

المفاضلة بين الضّحيّة والصّدقة:

* الضّحيّة أفضل من الصّدقة، لأنّها واجبةٌ أو سنّةٌ مؤكّدةٌ، وشعيرةٌ من شعائر الإسلام، صرّح بهذا الحنفيّة والشّافعيّة وغيرهم. وصرّح المالكيّة بأنّ الضّحيّة أفضل أيضاً من عتق الرّقبة ولو زاد ثمن الرّقبة على أضعاف ثمن الضّحيّة. وقال الحنابلة: الأضحيّة أفضل من الصّدقة بقيمتها نصّ عليه أحمد، وبهذا قال ربيعة وأبو الزّناد، وروي عن بلالٍ رضي الله عنه أنّه قال: لأن أضعه في يتيمٍ قد ترب فوه فهو أحبّ إليّ من أن أضحّي، وبهذا قال الشّعبيّ وأبو ثورٍ، وقالت عائشة رضي الله عنها: لأن أتصدّق بخاتمي هذا أحبّ إليّ من أن أهدي إلى البيت ألفاً. ويدلّ لأفضليّة التّضحية أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ضحّى والخلفاء من بعده، ولو علموا أنّ الصّدقة أفضل لعدلوا إليها، وما روته عائشة رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما عمل ابن آدم يوم النّحر عملاً أحبّ إلى اللّه من إراقة دمٍ، وأنّه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وأنّ الدّم ليقع من اللّه بمكانٍ قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفساً». ولأنّ إيثار الصّدقة على الأضحيّة يفضي إلى ترك سنّةٍ سنّها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فأمّا قول عائشة فهو في الهدي دون الأضحيّة وليس الخلاف فيه.

المصادر:

موسوعة الفقه الإسلامي

موسوعة المفاهيم الإسلامية

بتصرف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير