وكيف تجرؤ على الاستهانة بأصول الفقه؟ أو زعم أن بعضهم أنكرها كما فهمته من كلامك وقد أكون مخطئًا وأرجو المسامحة عند خطئي لا على سبيل التواضع ولكن طلبًا أكيدًا؛ لأني مسلم، والمسلم أخو المسلم، فأنا أخوك شئتَ أم أبيت، اللهم إلا إن كان لأخي رأي آخر!!
نعود لمسألتنا وندع باقي كلامك حتى لا تتشعب بنا السبل:
ولم أكن بحاجة للعودة لها؛ لأني شرحت لك أركان الفتوى فيما سبق؛ لكن يظهر أنك لم تُعْنَ بمطالعتها جيدًا.
المشكلة ليست في العبادة ولا في غير العبادة، وليست في الأدلة ولا في الخبز.
المشكلة الحقيقية في كلامك هي الخلط في تنزيل النصوص على الأحكام.
الكلام الذي هنا ليس خاصًا بقضية التقبيل من حيث هو التقبيل المجرد؛ لكنه خاص بالكلام عن نوع معين من التقبيل وهو تقبيل الخبز؛
فيكون البحث بناءً على هذا في مقصود الناس بهذا؟ هل يقبلونه عبادة؟ أم يفعلونه على سبيل العادة؟ وفرقٌ بين الاثنين.
وقد شرح الشيخ أبو حاتم الشريف حفظه الله الأمر جيدًا، وهو الصواب في المسألة أن الناس يفعلون ذلك على سبيل العبادة لا العادة.
فهنا نحن نتكلم عن صورة معينة لا عن إجمال الصور وعموم التقبيل؛ وهذا هو الذي خلطتَ فيه.
وأشرح لك الأمر بمثالٍ:
هل يجوز المسابقة بين الخيل أم لا؟
الجواب: نعم يجوز المسابقة بين الخيل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بينها.
هذا هو الجواب العجول الذي يجيب به بعضهم؛ لكن الصواب أن يقال:
هل المسابقة بين الخيل في زماننا هي من جنيس مسابقة النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فإن كان الجواب بنعم فنعم؛ وإلا فلا.
وقد رأينا أن المسابقات الآن تقوم على المقامرة وما لا يجوز؛ فحرم ذلك لما أُضِيف له من محرمات، وهو ما نعرفه عندنا باسم: ((المحرم لغيره لا لذاته)).
وقد فهمتَ الآن من نحن؟ فلا تعيد عليَّ سؤالك ثانيةً.
وأرجو أن يكون الأمر قد اتضح لك ولغيرك الآن.
ولذا يقال في الخبز: إذا كان الواقع قد دلّنا دلالة واضحة وأكيدة على أن الناس يفعلون هذا على جهة العبادة؛ فلا شك في بدعية تقبيل الخبز.
والعرف أصلٌ في بناء الأحكام، وهو الذي يعبر عنه أهل عصرنا بقولهم: ((الواقع)).
ولقولهم هذا أصلٌ؛ ليس هذا محل الاستطراد فيه.
ولعلي أشرح بعض ما يتصل بهذا من قواعد أصولية إن شاء الله.
ملاحظة: أصول الفقه التي نعنيها وندرسها طلابنا ليست تلك الأصول التي لا يكون فيها الإنسان فقيهًا إلا إذا مرّ بالفلسفة وانتهى بالمنطق؛ ولكنّها تلك القواعد القائمة على الكتاب والسنة.
تنبيه آخر مهم:
لم أقل هنا (السنة الصحيحة) فلا يقال: وهل تحتج بالضعيف؟ لأن السنة كلها صحيحة، وليس فيها ما يوصف بالضعف؛ وإنما يقال: المرويات الحديثية الضعيفة ونحو هذا التعبير؛ لكن إذا صح الحديث فهو سنة، وإذا لم يثبت الحديث وكان ضعيفًا فلا يقال فيه: سنة ضعيفة تأدبًا مع صاحب السنة صلى الله عليه وسلم.
وأرجو أن يكون الموضوع واضحًا الآن، وأن تكون فهمتني بعيدًا عن تلك البنيات التي ذكرتها في كلامك هداني الله وإياك.
ودمت أخي سالمًا.
ودمتم يا أهل الحديث سالمين.