فقالوا: ـ لا , إنما رمى أمير المؤمنين ـ يعنون ابن الزبير ـ قال عمرو: ـ فانتظرت ابن عمر، فلما زالت الشمس، خرج فأتى الجمرة الأولى فرماها "
ولذلك قال ابن حجر: ـ
" وكأن ابن عمر خاف عليه أن يخالف الأمير، فيحصل له منه ضرر "
(16) الرمي قبل الزوال مسكوت عنه، وما سكت عنه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو عفو، ولو كان الرمي غير جائز فيه، لنهى عنه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما نهى أغليمة بني عبد المطلب عن الرمي قبل طلوع الشمس يوم النحر
وممن ذهب إلى تقوية أدلة القول بجواز الرمي قبل الزوال، الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ـ رحمه الله ـ حيث قال عن أدلة الشيخ بن محمود: ـ
" فأنت إذا وازنت بين استدلال صاحب الرسالة ـ يعني رسالة عبد الله بن زيد التي سبق ذكرها ـ واستدلال الجمهور رأيتها متقاربة، إن لم تقل: تكاد أدلته ترجح " انتهى.
وقال أيضاً: ـ
" أما بحث صاحب الرسالة، واستدلاله بجواز الرمي قبل الزوال وفي الليل فهو بحث علمي، مثله ودونه وأكثر منه يبحث فيه أهل العلم، ولا يعد شذوذاً ومنكراً " ا هـ.
والمقصود بصاحب الرسالة هوالشيخ / عبد الله بن زيد آل محمود ـ رحمه الله ـ وقد استدل الشيخ بن سعدي ـ رحمه الله ـ للقول بالجواز بدليلين آخرين فقال: ـ
" ويمكن الاستدلال عليه بقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما كثرت عليه الأسئلة ممن سأل عن التقديم والتأخير والترتيب: ـ " افعل ولا حرج "، وأحسن من هذا الاستدلال، الاستدلال، بحديث بن عباس المذكور حيث قال له رجل: ـ رميت بعدما أمسيت، قال: ـ " افعل ولا حرج ".
ووجه ذلك أنه يحتمل أن قوله: ـ " بعد ما أمسيت "، أي بعد ما زال الزوال لأنه يسمى مساء، ويحتمل أن يكون بعد ما استحكم المساء وغابت الشمس، فيكون فيه دلالة على جوازه بالليل، ودليل أيضاً على جوازه قبل الزوال، لأن سؤاله عن جواز الرخصة في الرمي بعد المساء، كالمتقرر عندهم جوازه في جميع اليوم، بل ظاهر حال السائل تدل على أن الرمي قبل الزوال هو الذي بخاطره، وإنما أشكل عليه الرمي بعد الزوال فلذلك سأل عنه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
وصاحب الرسالة لم يتعرض في استدلاله بهذه اللفظة المذكورة في الحديث وهي قوله: ـ " بعد ما أمسيت ".
كما أنه لم يتعرض بالاستدلال بدليل آخر، ,هو أن أيام التشريق كلها لياليها ونهارها أيام أكل وشرب وذكر لله، وكلها أوقات ذبح، ليلها ونهارها، وكلها ـ على القول الصحيح ـ أوقات حلق، وكلها يتعلق بها ـ على القول المختار ـ طواف الحج وسعيه في حق غير المعذور، وإنما يتفاوت بعض هذه المسألة في الفضيلة، فكذلك الرمي ".
وهناك أدلة أخرى ذكرها الشيخ / عبد الله بن زيد آل محمود ـ رحمه الله ـ في رسالته (يسر الإسلام)، وفي مجموع رسائله في المجلد الثالث، وقد سبق بيان موضعها منه، ورد عليه فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم، ونشر رده في الفتاوى والرسائل التي جمعها الشيخ / محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، ضمن الجزء السادس من هذا المجموع، والملاحظ أن فيها نوع شدة، دفع الشيخ إليها حبه للسنة وحرصه عليها، والخوف من تساهل الناس في أحكام المناسك، بتجديد العمل بقول لم يألفوه، مع مخالفته لما عليه الجمهور عملا وفتوى، والله تعالى يهدينا للحق والصواب.
تلخيص ما سبق ذكره في اليوم الأول: ـ
و بعد هذا العرض نخلص إلى أن الأقوال في اليوم الأول من أيام التشريق كالأتي: ـ
(1) ذهب الحنفية في المشهور من ظاهر الرواية، والمالكية والشافعية والحنابلة إلي عدم جواز الرمي قبل الزوال مطلقاً.
(2) وذهب الحنفية في غير ظاهر الروية، إلي جواز ذلك مطلقا كما في بعض الكتب كرد المحتار وبدائع الصنائع وفتح القدير.
ومقيداً بيوم النفر كما في بعض الكتب الأخرى كالعناية على الهداية، وهي رواية عن أبي يوسف.
ووافق الحنفية على ذلك، عطاء ـ في إحدى الروايتين ـ وطاووس مطلقاً، كما نقله عنهما ابن حجر والبدر العيني، ومقيداً بالجهل عن عطاء، كما نقله عنه محب الدين الطبري في القرى، وقد ثبت عن عطاء العمل بخلاف ذلك، كما ثبت عنه القول بعدم الجواز، وقد أثبتناه في محله، وهو الراجح لموافقته مانقل عنه مسندا.
¥