تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عهد النبي r، ويطرحون وابلاً من الأسئلة على الصحابة رضوان الله عليهم عن أقوال النبي r وأفعاله.

وفي نهاية الأمر أفضى هذا السبر الجماعي الذي ارتبطت به أسماء بعض الأشخاص إلى تراكم مادة ضخمة؛ رُتبت، واتخذت شكل مجاميع سميت "كتب الحديث"، وأصبحت هذه المجاميع فيما بعد أساساً قام عليه علم الشريعة والقضاء.

ونشأت على هامش القوانين المكتوبة رواية شفوية تستمد شرعيتها من النبي r عبر سلسلة الإسناد، ونتج عن ذلك اجتهاد كان له عواقب وخيمة: فالقانون المستقيم، الذي كان جيداً في ذاته، أصبح في وضع حرج عندما ادعي أنه يتحكم بتطور المجتمع الإسلامي في مشكلات الحياة المحسوسة كلها، ونشأ عن ذلك ظهور التشدد في جوانب الحاضرة الإسلامية؛ فوصفت كل مبادرة تخالف المبادئ الأساسية بأنها بدعة، وأصبحت البدعة مع مرور الأيام مرادفة للهرطقة، بل للكفر والضلال.

إن الإسناد في الحديث كان سبباً في ظهور التراجم التي تضم تفصيلات عن كل واحد من رجال السند. وقد كان ينبغي ترتيب أولئك الرجال على طبقات متتالية، والتركيز على المعاصرة، والعلاقات المشتركة، وطبيعة تلك العلاقات، سعياً لتسلسل الإسناد إلى النبع الذي هو النبي r . تلك هي بالتحديد قصة ولادة فكرة الطبقات نفسها. لقد قدمت المباحث التي نشأت حول رجال السند عناصر لتصنيف معين، ولجَمْعٍ حسب الأجيال المتتالية دون أن يكون هناك انقطاع مع النبع الأصلي.

لقد شكك هيفننغ (5) Heffening في علاقة الطبقات بالحديث، وهو لا يرى ما يراه لوث (6) Loth من أن أدبيات الطبقات نشأت لحاجة علم نقد الحديث إليها، وهو لا يجد فيها إلا ضرباً من الاستخدام الخاص، ويرجح أن أصولها تعود إلى اهتمام العرب بعلم الأنساب. ولا ينكر أحد مدى اهتمام العرب بعلم الأنساب، إلا أنه يبدو من الصعب القول: إن ذلك هو أصل التأليف في الطبقات.

وإذا كان من الممكن القول: إن التأليف في الطبقات لا يدين بظهوره إلى حاجة علم أصول الحديث، فإن اتصاله بالحديث يبدو غير قابل للإنكار. لقد وجد التأليف في الطبقات بتأثير الحديث وبسببه. وإذا كان التأليف في الطبقات يميل إلى التصنيف حسب الأجيال المتتالية فإنه أخذ ذلك من علم الحديث، وحاول محاكاته. إن إنكار ذلك يؤدي إلى التقليل من أهمية التيار التقليدي الذي كان مهيمناً في ذلك العصر.

ينبغي العودة إلى القرآن الكريم لتحديد المعنى الذي أراد المؤلفون في الطبقات إعطاءه لهذا المصطلح. إن الجذر "طبق" مستخدم في الآية التالية بمعنى "الحال" (7)، قال تعالى:) لتركبُنَّ طبقاً عن طبق ((8).

والمصطلح "طبقة" بالمفرد يشير إلى المرتبة التي تحتلها جماعة من الأشخاص الذين كان لهم حضور في التاريخ في سياق أو آخر، مرتبين حسب معايير محددة، دينية كانت، أو ثقافية، أو علمية، أو فنية، ... إلخ.

وقد استخدم هذا المصطلح بهذا المعنى الأصلي محمد بن سعد (المتوفى سنة 230هـ/845م) في قوله: الطبقة الأولى على السابقية إلى الإسلام (9). ويستند تصنيفه الصحابة والتابعين إلى معيار السبق إلى اعتناق الإسلام. وكلما كان الرجل مخلصاً للنبي r كان انتسابه إلى الطبقة الأولى مسوغاً ومستحقاً. وفي العصر نفسه تقريباً استخدم محمد بن سلام الجمحي (المتوفى سنة 231هـ/846م) كلمة طبقة (10) بمعنى الانتساب إلى طبقة يقوم مفهومها على تحليل قائم على الشبه، والقياس، وتماثل القيمة، وتساوي الأحقية بين الشعراء الذين ينتمون إلى تلك الطبقة: على أنهم أشعر العرب طبقة (11).

واستخدمها بالمعنى نفسه عمرو بن بحر الجاحظ المتوفى سنة (255هـ / 868م) عندما صنف المغنين الذين عرفهم في بغداد، وبلغ به التدقيق كل مبلغ حتى إنه ترك بعض الصفحات البيضاء ليستطيع الناس إضافة أسماء أولئك الذين يأتون بعده. وقام تصنيفه على مكانة كل واحد منهم. وينبغي القول هنا: إن الجاحظ، وهو يصنف الطبقات، يشير من طرف خفي إلى أنه يمكن لأحد المغنين أن يرتفع إلى طبقة أعلى، أو يمكنه على العكس من ذلك التراجع (12). وهو ناهيك عن ذلك لا يشير إلى أي فارق بين "طبقة" و"مرتبة". أما ابن إسحاق النديم (المتوفى سنة 438هـ/1047م) فإنه يقصد بالطبقة الجيل، ويضع على رأس كل طبقة رجلاً جليلاً: طبقة داود بن الجراح (13) على سبيل المثال.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير