" (قَوْلُهُ: فَيَلْزَمُهُ الْعَوْدُ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مَحَلُّ لُزُومِ الْعَوْدِ مَا لَمْ يَنْوِ النَّفْرَ خَارِجَهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ (سم) "
قوله: " لقائل أن يقول ............. الخ " هذا كلام العبادي، وبناء على هذا فإن الحاج إذا خرج من منى نافرا بعد أن رمى، أو بعد أن رمى وكيله، لكنه لم يأت بالنية مقارنة للنفر، فلا تجزئه نية النفر وهو خارج منى، على قول جماهير أهل المذهب الشافعي، كما تبين من النصوص، ويوافقهم في ذلك غيرهم ـ كما سيأتي ـ، وذهب ابن قاسم العبادي إلى إجزاء نية النفر لمن كان خارج منى بشرط أن يكون ذلك بعد الرمي وبعد الزوال وقبل دخوله مكة ولو بشيء يسير، كما دل على ذلك قوله: " وَلَوْ عَادَ الرَّامِي (أي يعود إلى أرض منى بعد رمي الكبرى يوم النفر الأول بناء على أن الجمرة خارج منى) ثُمَّ نَفَرَ وَلَمْ يَنْوِ ثُمَّ نَوَى خَارِجَ مِنًى فَقَضِيَّةُ كَلَامِ (سم) أَنَّهُ تَكْفِيهِ النِّيَّةُ لِلنَّفْرِ وَلَوْ قَبْلَ وُصُولِهِ لِمَكَّةَ بِيَسِيرٍ "
فلو دخل مكة بعد أن رمى وخرج من منى، أو خرج من منى دون أن يرمي، أو نفر بعد رمي الجمرة مباشرة دون أن يعود إلى أرض منى؛ لم تجزئه النية خارج منى على قول العبادي أيضا، وبهذا يتفق العبادي مع غيره في عدم صحة النفر قبل تمام الرمي أو قبل الزوال، وغاية ما يجوزه هو إجزاء النية خارج منى لمن رمى ونفر منها بعد الزوال بدون نية،ويستوي هنا أن يكون الرمي قد حصل منه أو من وكيله، لأن العبرة في ذلك هو حصول الرمي، بغض النظر عن فاعله.
وقد ذكرنا هذه المسألة لئلا يقول قائل: نية النفر خارج منى جائزة على قول العبادي، ولذا بينا وجه قوله ومحله وشروطه، مع مخالفته لمنصوص المذهب، كما سبق بيانه.
5 ـ الانزعاج (التحرك)، أو الاشتغال به.
* قال الخطيب الشربيني:
" (يَنْفِرْ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا: أَيْ يَذْهَبْ. وَأَصْلُهُ لُغَةً: الِانْزِعَاجُ "
* قال ابن حجر:
" (فَإِذَا رَمَى الْيَوْمَ الثَّانِي فَأَرَادَ النَّفْرَ) أَيْ: التَّحَرُّكَ لِلذَّهَابِ إذْ حَقِيقَةُ النَّفْرِ الِانْزِعَاجُ فَيَشْمَلُ مَنْ أَخَذَ فِي شَغْلِ الِارْتِحَالِ وَيُوَافِقُ الْأَصَحَّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّ غُرُوبَهَا , وَهُوَ فِي شَغْلِ الِارْتِحَالِ لَا يَلْزَمُهُ الْمَبِيتُ , وَإِنْ اعْتَرَضَهُ كَثِيرُونَ "
فلا يتخيل أن يوصف الحاج بالنفر دون أن يتحرك، وعلى هذا فلا تكفي نية النفر مع البقاء داخل من، بل لا بد من التحرك، قبل الغروب، فلو أدركه الغروب وهو منشغل بالارتحال لم يلزمه المبيت.
ثانيا متى ينفر الموكل من منى؟
في البداية ننبه إلى أنه لم يتيسر لنا الوصول إلى نص صريح في الوقت الذي يجوز فيه للموكل النفر من منى، إلا أننا ارتكزنا في بحثنا هذا على ركيزتين أساسيتين:
الركيزة الأولى: النصوص تدل بعمومها على عدم جواز النفر من منى إلا بشرطين:
1 ـ أن يكون النفر بعد الزوال.
2 ـ أن يكون النفر بعد تمام الرمي.
الركيزة الثانية: بعض النصوص التي ساوت بين حال الأصيل إذا رمى بنفسه، أو رمى عنه وكيله، من حيث عدم جواز النفر في الحالتين إلا بعد الرمي، وسنرى ذلك في موضعه إن شاء الله.
* الركيزة الأولى من خلال نصوص الفقهاء:
سيتبين من خلال نصوص الفقهاء أن النفر لا يصح قبل الزوال، كما لا يصح قبل الرمي، وهذا بعمومه يشمل كل حاج سواء رمى بنفسه، أو رمى عنه نائبه، إذ لا فرق بينهما في هذه الشروط، حيث أطلقت النصوص الشروط دون نظر إلى رامي الجمار، هل هو الأصيل أم الوكيل؟
وأصرح من ذكر هذه الشروط السادة الشافعية ـ رحمهم الله ـ، ومن هذه النصوص المباركة، ما نقلناه من معتمد كتبهم التي عليها المعول، مع تحقيق لبعض الشبه التي عرضت أثناء البحث، والله الموفق.
* قال ابن قاسم العبادي -رحمه الله- في حاشيته على الغرر البهية في شرح البهجة الوردية:
¥