عِبَارَةُ التُّحْفَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ , فَإِنْ ظَهَرَ نَقْلٌ بِخِلَافِهِ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ انْتَهَى "
ولم نجد نصا بخلافه، فبقي الأمر على ما هو عليه، ولا يلتفت إلى كلام العبادي ـ رحمه الله ـ وبهذا يزول الإشكال.
فتوى اللجنة الدائمة
أوجبت اللجنة الدائمة الدم على من وكل ثم نفر قبل رمي وكيله، واعتبروه بمثابة من لم يرم، وهذا يوافق ما ذكرناه آنفا.
جاء في فتوى اللجنة الدائمة برقم: (3422) في من وكل في رمي الجمار ثم نفر من منى قبل رمي الوكيل ما يفيد أن على من وكل دم قالوا: " لأنهم في حكم من لم يرم لنفرهم قبل الرمي. انتهى "
الخلاصة
يتلخص مما سبق أن العلماء قد وضعوا للنفر من منى شروطا لا تجوز مخالفتها، وقد ذكرنا هذه الشروط مستوفاة في مواضعها، ولا يجوز للمرء أن يتعدى حدود الله تعالى دون أن يكون معه على ما يقوم به أو يدعو إليه برهان، وقد ترجح من خلال هذا المبحث عدم جواز النفر قبل تمام أعمال الحاج في منى، سواء كان ذلك بنفسه أو بنائبه، إذ لا يعني توكيله بالرمي جواز النفر، بل يجب عليه استيفاء شروط النفر أولا، ولا فرق بين أن يستوفيها بنفسه أو بنائبه، ومن أهم شروط النفر، تمام الرمي، ونية النفر، ومقارنة النية للرحيل، وهذا قول الجماهير، إما نصا وإما مفهوما.
كما أن فعل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدل دلالة واضحة على عدم جواز النفر إلا بعد إتمام الرمي وبعد الزوال، سواء كان الحاج متعجلا، أو كان متأخرا، فعن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: " رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَقُولُ: لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ "
ولا شك في أنه وجد في حجته التي حجها ـ صلى الله عليه وسلم ـ معذورون قد وكلوا من يرمي عنهم، ولو كان خروجهم من منى جائزا قبل تمام الشروط التي بيناها، لبينه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بنص واضح صريح، لاسيما وقد أذن للضعفة والظعن أن يخرجوا من مزدلفة بعد منتصف الليل، تجنبا للزحام، والحاجة إلى ذلك قائمة وملحة في تقدم الضعفة والعاجزين عن الرمي إلى مكة قبل غيرهم، ليدركوا المنزل، ويتجنبوا الزحام، فلما ترك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا البيان، علم أن الأمر باق على ما كان، وهو الالتزام بالبقاء في أرض منى حتى تتم الأعمال الواجبة على الحاج في منى، ولو كان ذلك جائزا لما شق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الأمة، ولأذن لمن وكل بالرحيل، كما فعل في المزدلفة، لاسيما وقد وضع ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبدأ رفع الحرج شعارا في هذا الموسم العظيم، فما سئل ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن سيء قدم ولا أخر إلا قال: " افعل ولا حرج ".
وهاهي النصوص تشهد لما ذكرنا من ضرورة عدم النفر قبل تمام المناسك، والحرص على إقامة ذكر الله تعالى فيها.
فعن جَابِرٍ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: " حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَمَعَنَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَلَبَّيْنَا عَنْ الصِّبْيَانِ وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ "
وقال ابن أبي شيبة: " حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: يُشْهَدُ بِالْمَرِيضِ الْمَنَاسِكُ كُلُّهَا وَيُطَافُ بِهِ عَلَى مَحْمَلٍ فَإِذَا رَمَى الْجِمَارَ وُضِعَ فِي كَفِّهِ ثُمَّ رُمِيَ بِهِ مِنْ كَفِّهِ. "
وقال: " حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ نَا هُشَيْمٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: يُحْمَلُ الْمَرِيضُ إلَى الْجِمَارِ , فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَرْمِيَ فَلْيَرْمِ , وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيُوضَعْ الْحَصَى فِي كَفِّهِ , ثُمَّ يُرْمَى بِهَا مِنْ كَفِّهِ "
¥