ـ[مبارك]ــــــــ[07 - 06 - 04, 01:32 ص]ـ
قال الدكتور الشيخ إبراهيم بن صالح الخضيري في كتابه الماتع " أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية " (1/ 398ـ 403):
" المسألة الخامسة: فرش المسجد:
لم تكن المساجد في القرون الأولى مفروشة بالفرش كما هي في زمننا هذا، لكنه ثبت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـصلى على أنواع من الفرش (1)، وكذا أصحابه (2).
ولقد كانت المساجد قديماً في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تفرش أرضيتها بالتراب أو الحصى.
1ـ ويدل لهذا: عن معيقب (3) أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد، قال: " إن كنت فاعلاً فواحدة " متفق عليه (4).
الشاهد: " يسوي التراب ".
وجه الدلالة:
حيث أن التراب كان هو فراش مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي افترشه هو والمؤمنون في صلاتهم.
2ـ عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى، فإن الرحمة تواجهه " رواه أحمد وأبوداود (5).
الشاهد: " فلا يمسح الحصى ".
وجه الدلالة:
حيث إن الحصى قد فرش بالمسجد النبوي وبحضرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
3ـ وعن ابن عمر قال: مطرنا ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة، فجعل الرجل يجيء بالحصى في ثوبه، فيبسطه تحته، فلما قضى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " ما أحسن هذا ". رواه أبوداود (6).
الشاهد: " ماأحسن هذا ".
وجه الدلالة:
حيث أعجب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا الحصى الذي وضعه الصحابة في المسجد؛ مما دل على أن مسجد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومساجد المسلمين كانت تفرش بالحصى الصغار (الحصباء).
وذكر العلماء ـ رحمهم الله تعالى ـ أنه لا يجوز إخراج تراب المسجد ولا حصاه للتبرك (7)، فأما تغييره بأحسن منه فهو مرغوب فيه. وقد قيل: إنه لا يجوز إخراج الحصى من المسجد لما ورد في الأثر: " إن الحصاة لتناشد الذي يخرجها من المسجد ". رواه لأبوداود (8).
واتخاذ الفرش في زماننا هذا قد انتشر في كافة البلاد الإسلامية، وفرشت المساجد بأنواع من الفرش، والصلاة على الفرش الموضوعة بالمسجد جائزة إن كانت طاهرة ولم تك حريراً، ولا مغصوبة، ولا محرمة (9). وقد اختلف العلماء ـ رحمهم الله تعالى ـ في كراهة الصلاة على الفرش التي ليست من جنس الأرض، كالأنطاع (10) المبسوطة من جلود الأنعام وكالزرابي (11) المصنوعة من الصوف، على قولين:
القول الأول: يجوز فرش أنواع الفرش، ماعد الحرير ومافيه نجاسة، والمحرم لكونه مغصوباً ونحوه. قال بهذا الجمهور (12). ولم يكره أصحاب مالك ـ رحمه الله ـ الصلاة على الفرش أن كانت موقوفة للمسجد (13).
القول الثاني: يكره أن يسجد الرجل على الطنافس (14) وبسط الشعر والثياب والأدم (15). وهذا قول مالك (16).
الأدلة:
استدل الجمهور بما يلي:
1ـ ثبت أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلى على حصير (17) وبساط (18) وخمرة (19). (20).
2ـ عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: " كنا نصلي مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه ". متفق عليه (21)
الشاهد: " بسط ثوبه فسجد عليه ".
وجه الدلالة:
أن أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانوا يسجدون على ما يفرشونه من ثيابهم؛ وهذا دليل على جواز ذلك؛ حيث كانوا يصنعون ذلك وهم يصلون مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
3ـ قال ابن حزم: " وصلى ابن مسعود على مسح شعر، وعمر وابن عمر وأبو الدرداء صلوا على بساط صوف " (22).
فعلى هذا: فإن الصلاة على كل فراش طاهر مباح صحيحة بلا كراهة. وأما مالك ـ رحمه الله تعالى ـ فقد قال فيالمدونة عنه:
" وكان مالك يكره أن يسجد الرجل على الطنافس وبسط الشعر والثياب والأدم، وكان يقول: لا بأس أن يقوم عليها، ويركع عليها، ويقعد عليها، ولا يسجد عليها، ولا يضع كفيه عليها " (23).
قلت: وأي فرق بين السجود والركوع فكلها صلاة؟!، ولا أعلم وجهة هذه الكراهية؛ والصحيح قول الجمهور. ولا أعلم أحداً من العلماء كره أو حرم وقف الفرش للمسجد، ولكن المسلم إذا وقف فرشاً للمسجد لزمه ذلك الوقف.
¥