تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أحمد: إن اعتماد الرؤية كان لأمية الأمة، التي لم تكن تكتب ولا تحسب، فإذا تغير وضع الأمة، وأصبحت تكتب وتحسب، وغدت قادرة على الاعتماد على نفسها –لا على غير المسلمين– في إثبات الشهور بالحساب العلمي الدقيق، كان عليها أن تعتمد الحساب بدل الرؤية، لأنها وسيلة أدق وأضبط وأقرب إلى توحيد كلمة المسلمين، بدل هذا الاختلاف الشاسع الذي نراه في كل صيام وفطر، بين أقطار الإسلام بعضها وبعض، إلى حد يصوم بعضهم الخميس وبعضهم الجمعة، وبعضهم السبت مثلاً (كما حدث في بدء رمضان هذا العام -1409 هـ).

هزاع: لكن الأخذ بالحسابات الفلكية مخالف للإجماع. والحساب للأهلة قول مبتدع في الإسلام لم يقل به مسلم قط. ومن عمل به فقد ضل واتبع غير سبيل المؤمنين.

أحمد: على مهلك يا أخي. فالمشهور جداً بين العلماء أن في المسألة خلاف منذ القدم. وقد عمل بالحساب (على اختلاف في التفصيل) بعض الفقهاء. وأقدمهم مطرف بن عبد الله بن الشخير (ت 95هـ) وهو ثقة عابد فاضل من كبار التابعين ولد في حياة النبي ?.

وقد قال محمد بن سيرين: «خرجت في اليوم الذي شُكّ فيه، فلم أدخل على أحدٍ يؤخذ عنه العلم إلا وجدته يأكل، إلا رجُلاً كان يحسب ويأخذ بالحساب». فهذا عالمٌ من السلف أثبت الشهر بالحساب، مع أننا لا نقول بذلك، إنما نثبته بالرؤية إذا لم يثبت بالحساب استحالتها. ولكن المقصود هو تبيين أن المسألة خلافية قديمة. وقد قال ابن رشد في بداية المجتهد (1\ 207): «وروي عن بعض السلف أنه إذا أغمي الهلال رجع إلى الحساب بمسير القمر والشمس».

وجاء في تفسير القرطبي (2\ 293): «وقد ذهب مُطَرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير –وهو من كبار التابعين– وابن قتيبة –من اللغوبين– فقالا: يُعَوَّل على الحساب عند الغيم بتقدير المنازل واعتبار حسابها في صوم رمضان، حتى إنه لو كان صحوا لرُئي لقوله عليه السلام: "فإن أغمِيَ عليكم فاقدروا له" أي استدلوا عليه بمنازله وقدروا إتمام الشهر بحسابه». وابن قتيبة (ت 376هـ) من أئمة السلف المشهورين، وكان يُسمى بخطيب أهل السنة.

وقد ذهب أبو العباس بن سريج من أئمة الشافعية (وهو عندهم من كبار الأئمة ومن المجددين للدين)، إلى أن الرجل الذي يعرف الحساب، ومنازل القمر، إذا عرف بالحساب أن غداً من رمضان فإن الصوم يلزمه. لأنه عرف الشهر بدليل، فأشْبَهَ ما إذا عرف بالبينة. واختاره القاضي أبو الطيب، لأنه سبب حصل له به غلبة ظن، فأشبه ما لَوْ أخبره ثقة عن مشاهدة. وقال غيره: يجزئهُ الصوم ولا يلزمه. وبعضهم أجاز تقليده لمن يثق به. إنظر: المجموع (6\ 270–280). وقد نسبوا هذا القول كذلك لمحمد بن مقاتل (ت 248هـ) (صاحب الإمام محمد بن الحسن)، والأحناف يعدونه من فقهائهم. وحكي القول عن قومٍ آخرين.

هزاع: فهل قال أحد من العلماء المعاصرين بإثبات الهلال بالحساب الفلكي العلمي؟

أحمد: قال بذلك الكثير جداً، ونسبه البعض لأكثرهم. وكتب في ذلك المحدث الكبير العلامة أحمد محمد شاكر –رحمه الله– رسالته، في "أوائل الشهور العربية: هل يجوز إثباتها شرعًا بالحساب الفلكي؟ ". وفتواه فيها نقول قيمة وأفكار نيرة. كما نقل هذا المذهب عن الشيخ محمد مصطفى المراغي، شيخ الأزهر الشهير في وقته. ومن المنادين بذلك الفقيه الكبير العلامة مصطفى الزرقا –رحمه الله–، وله في ذلك فتوى في غاية الروعة ناقش بها جميع الأقوال. وقال بذلك أيضاً المفكر المعروف الشيخ رشيد رضا في مجلة المنار، وفي تفسيره لآيات الصيام. ومن القائلين بذلك محدث الشام الشيخ السلفي عبد القادر الأرنؤوط –حفظه الله–. وذهب الشيخ ابن عثيمين "رحمه الله" في شرحه لزاد المستقنع (نهاية الشريط الأول) إلى رد شهادة رؤية الهلال، بقول أهل المرصد من الفلكيين –العاملين بالحساب– إذا قرروا عدم إمكانية رؤيته. وقال الشيخ عبد الله المنيع (عضو هيئة كبار العلماء وعضو لجنة تقويم أم القرى): «وأما حكم العمل بالحساب الفلكي من حيث النفي، فيجب الأخذ بذلك ... لأن الرؤية شهادة، ومن أسباب رد الشهادة أن تكون مرتبطة بما يكذبها». والقائمة طويلة.

ـ[محمد الأمين]ــــــــ[27 - 10 - 03, 06:31 م]ـ

هزاع: فلم تبرر قول جمهور الفقهاء القدامى، بعدم اعتماد الحسابات؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير