تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أحمد: لأن تلك الحسابات كانت تعوزها الدقة كثيراً. وغاية ما كان يمكن حسابه، هو موعد ولادة القمر فلكياً. ومعروفٌ أن ولادة القمر الفلكية لا تفيد بالضرورة رؤيته بالعين المجردة، بل لا بد من أن تمضي على ولادته 15 ساعة على أقل تقدير حتى يمكن رؤيته. وغالباً أن هذا لا يمكن قبل 18 ساعة. لأن القمر يجب أن يكون بحجم يمكن رؤيته بالعين المجردة. مع الملاحظة أن عمر القمر ليس العامل الوحيد بالرؤية، بل يدخل به أمور أخرى معقدة مثل زاوية الرؤية وساعة الغروب وغير ذلك. وحسب علمي فإن تلك الحسابات المعقدة لم يتوصل العلماء إليها إلا بهذا العصر. وقد وضع علماء الفلك المسلمون حسابات دقيقة لحساب الهلال، منذ مطلع الثمانينات. وقد أثبتت صحتها بدقة كبيرة.

هزاع: لكني لا أعرف شيئاً عن علم الفلك، فلذلك أرفضه.

أحمد: هذه هي المشكلة الحقيقية: الإنسان عدو ما يجهل. أخي الكريم، ما الداعي للطعن في علم لا تعرفه؟ الله سبحانه وتعالى يقول { ... فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (43) سورة النحل.

هزاع: فماذا نفعل بأقوال العلماء القدامى في منع اعتماد الحساب؟

أحمد: السلف لم يكن بإمكانهم حساب وقت رؤية الهلال بشكل يقيني. وهذا لم يتحقق إلا منذ فترة قريبة في هذا العصر. فنحن نتكلم عن مسألة حادثة. ونقل نصوص لعلماء قدماء، هو حياد عن المسألة وإتيان بنصوص أجنبية عنها.

هزاع: ألم يكن علم الفلك عند السلف هو نفسه علم التنجيم؟ وقد كان علم الفلك يسمّى بالتنجيم، اشتقاقًا من النجم، ويتعلمون معه التنجيم بمعنى الكهانة.

أحمد: نعم، هكذا كان عند السلف الأوائل، قبل أن يطلع العرب على علوم الفلك عند الشعوب الأخرى كاليونان والهنود وغيرهم. لكن مع ذلك كان كثير ممن يدعون ممارسة علم الفلك، يمارسون في الحقيقة الدجل المسمى بالتنجيم. وقد وصفه ابن بزيزة بأنه: «مذهب باطل. فقد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم لأنه حَدس وتخمين، وليس فيه قطع ولا ظن غالب». ويبدو من كلام شيخ الإسلام أن كثيرًا من أهل حساب النجوم كانوا أيضًا يشتغلون بتلك الأمور الباطلة، التي نهت عنها الشريعة أشد النهي. قال: «فالقول بالأحكام النجومية (أي التنجيم) باطلٌ عقلاً ومحرماً شرعاً. وذلك أن حركة الفلك –وإن كان لها أثراً– ليست مستقلة، بل تأثير الأرواح وغيرها من الملائكة أشد من تأثيره، وكذلك تأثير الأجسام الطبيعية التي في الأرض». وهذا واضح أنه عن فلسفات التنجيم ولا علاقة له بعلم الفلك الحديث.

هزاع: فهل تدعي أن سبب رفض العلماء القدامى للحساب الفلكي القديم بسبب عدم دقته وارتباطه بالتنجيم آنذاك؟

بالضبط. فهي لم تكن أبداً بالحسابات الدقيقة، بل كان أغلبها حدسٌ وتخمين. فقد نقل الزرقاني في شرحه على الموطأ عن النووي قوله: «إن عدم البناء على حساب المنجمين لأنه حدس وتخمين، وإنما يعتبر منه ما يعرفه به القبلة والوقت». أي: إن مواقيت الصلاة فقط يعتبر فيها الحساب، والسبب إمكانية حسابها بدقة في ذلك الوقت. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في معرض احتجاجه لعدم جواز اعتماد الحساب: «إن الله سبحانه لم يجعل لمطلع الهلال حساباً مستقيماً .. ولم يضبطوا سيره إلا بالتعديل الذي يتفق الحساب على أنه غير مطرد، وإنما هو تقريب». والمتأمل لكلام شيخ الإسلام يجد أنه أنكر على طريقة حساب معينة، وهي بدائية جداً ويكثر الخطأ فيها. و من أمعن النظر في كلامه رحمه الله، يجد أنه يقر كثيراً من أمور الحساب المشتهر في وقته.

هزاع: وهل تكلم الأصوليون في مسألة رد شهادة العدل بإثبات علمي قطعي؟

أحمد: بالتأكيد تكلموا كثيراً في هذه المسألة. والتحقق من هذه المسائل والتأكد من شهادة الشاهد ليست من باب الصوم، ولكنها من باب الشهادة. قال القشيري: «إذا دلَّ الحساب على أن الهلال قد طلع من الأفق على وجه يُرى، لولا وجود المانع –كالغيم مثلاً–، فهذا يقتضي الوجوب: لوجود السبب الشرعي، وأن حقيقة الرؤية ليست مشروطة في اللزوم. فقد اتفقوا على أنَّ المحبوس في المطمورة إذا علم بإتمام العدة، أو بطريق الاجتهاد أن اليوم من رمضان وجب عليه الصوم». وقال: الإمام شهاب الدين القرافي المالكي –صاحب كتاب الفروق– في الفرق الثاني والمئة ما نصه: «وإذا حصل القطع بالحساب ينبغي أن يعتمد عليه، كأوقات الصلوات، فإنه لا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير