ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[11 - 11 - 03, 06:26 ص]ـ
مسألة: حكم إنشاد الضالة:
ورد في النهي عن إنشاد الضالة عِدَّةُ أحاديث، منها:
1 – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: " من سمع رجلاً ينشد ضالةً في المسجد، فليقل: لا ردَّها الله عليك، فإن المساجد لم تُبْنَ لهذا " 3.
وورد نحوه عن بريدة 4، وعن جابر 5.
2 – وعن عمر بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: " نهى عن إنشاد الضالة في المسجد "6.
3 – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: " إذا رأيتم من يبيع، أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد ضالةً، فقولوا: لا ردها الله عليك " 7.
4 – عن أبي عثمان قال: سمع ابن مسعود رجلاً ينشد ضالةً في المسجد، فغضب، وسبَّه، فقال له رجلُ: ما كنت فحَّاشاً يا ابن مسعود! قال: إنَّا كنَّا نؤمر بذلك.8
5 – عن عمرو بن دينار، أنه سمع طاووساً، يقول: نشد رجلٌ ضالته في المسجد، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: " لا وجد ضالته "1.
هذا ما استطعت جمعه من الأحاديث، والآثار الواردة في النهي عن إنشاد الضالة2.
وقد نص الأبي في شرح مسلم (2/ 246) على أن النهي للكراهة، وكذلك البغوي في شرح السنة (2/ 374)، وأبو داود في سننه.
ولعل هذا النهي للتحريم أقرب منه للكراهة فقط، وذلك لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – دعا على هذا الرجل، وأمر من سمعه بالدعاء عليه.
والنهي هاهنا، والدعاء عليه بسبب رفع صوته، وتشويشه، لا لأن نشدان الضالة في المسجد لا يجوز، وذلك لما يلي:
1 – أن في بعض روايات مسلم: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – " لما صلَّى، قام رجلٌ، فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر ".
وجه الاستدلال: أن هذا الرجل قام بعد انقضاء الصلاة، والناس مشغولين بالأذكار، وبعضهم يقضي ما فاته من الصلاة، فقام هذا الرجل: ونادى على مَن وجد جمله.
2 – أن في بعض روايات مسلم: جاء أعرابي بعدما صلَّى النبي – صلى الله عليه وسلم – صلاة الفجر، فأدخل رأسه من باب المسجد ...
وجه الاستدلال: أن هذا الرجل على هذه الصفة لا يمكن له أن يسأل بعيره إلا برفع صوته، من أجل أن يُخبِر من في المسجد عن فقدانه جَمَلَه.
3 – نص بعض أهل العلم على ذلك:
أ – قال السهارنفوري في بذل المجهود (3/ 315): قال أبو داود: (باب كراهية إنشاد الضالة في المسجد) أي: طلبها برفع الصوت.
ب – وقال أيضاً (3/ 316) " من سمع رجلاً ينشد ضالةً " أي: يطلبها برفع الصوت.
ج – قال القرطبي في المفهم (2/ 174) قوله: " فليقل: لا ردَّها الله عليك " دعاءٌ على الناشد في المسجد بعدم الوجدان، فهو معاقبةٌ له في ماله على نقيض مقصوده، فَلْيُلْحَق به ما في معناه، فمن رفع صوته فيه بما يقتضي مصلحةً ترجع إلى الرافع صوته، دعيَ عليه على نقيض مقصوده، ذلك بسبب جريمة رفع الصوت في المسجد، وإليه ذهب مالك ... .
د - قال في عون المعبود (2/ 97)، وفيه النهي عن رفع الصوت بنشد الضالة، ومافي معناه من البيع، والشراء، والإجارة، والعقود.
هـ - بوَّب ابن حبان في صحيحه على هذا الحديث: (ذكر الزجر عن رفع الأصوات في المساجد؛ لأجل شيء من أسباب هذه الدنيا الفانية).
و - قال الأصمعي: في كل شيءٍ رفعت به صوتك، فقد أنشدتَ ضالةً كانت أو غيرها، انظر شرح سنن ابن ماجة لمغلطاي (4/ 1300).
* يَرِدُ على ما تقدم، أن النبي - صلى الله عليه وسلم – علَّل دعائه على ناشد الضالة، بأن المساجد لم تُبْنَ لهذا، أي لم تبن لنشد الضالة، ونحوها، ولم يعلل سبب نهيه ودعائه بأنَّ هذا من أجل رفع صوته.
يجاب عنه:
1 – أنه ينبغي عند استنباط الحكم من النص، أن يُنْظَرَ إلى الحالة التي حَكم عليها النبي – صلى الله عليه وسلم -، ومعرفة ملابسات الحادثة، ونحو ذلك من أجل أن يكون حكمنا صواباً.
2 – أن عندنا أصلٌ، وهو جواز الكلام بحديث الدنيا إذا كان مباحاً.
3 – أنا لو طردنا هذه العلَّة التي ذكروها، لعارضنا الأحاديث الأخرى، وذلك لأنَّا سننهى عن مناشدة الأشعار، وعن كلام الدنيا المباح، وعن النوم في المسجد، وعن المقاضاة في المسجد ... إلخ، والتي هي في بادئ الرأي ليس مما بنيت المساجد له.
فيتلخص لنا: أن نشدان الضالة – بدون إزعاج، ولا رفع للصوت – أنه دائرٌ بين الكراهة، والتحريم، أما إذا كان برفعٍ للصوت فهو للتحريم أقرب – والله أعلم -.
قال الباجي في المنتقى (1/ 312): [مسألة: قال مالك في المبسوط، في الذي ينشد الضالة في المسجد، لا يقوم رافعاً صوته، وأما أن يسأل عن ذلك جلساءه غير رافعٍ لصوته، فلا بأس بذلك.
ووجه ذلك: أن رفع الصوت ممنوعٌ في المساجد، لما ذكرناه1، فأمَّا سؤاله جليسه فمن جنس المحادثة، وذلك غير ممنوعٍ، مالم يبلغ ذلك اللغط من الإكثار].
¥