وعليه فإنني أهيب بكل طالب علم تأمم الكتابة في أصول الدين وفروعه على تقسيم المتأخرين، أو عقد مجالس للتعليم، أو ارتقى المنابر أن يربط المسلمين بمنهج السلف الصالح، وأن يرشدهم إلى كتبه المتينة والأمينة، وإياه من كلمة «قد أتيت» أو «استنبطت شيئاً لم يسبقني إليه أحد»، وليحذر أن يربطهم بقول إمامٍ في مسألة ليس له فيها سلف، ولو كان في مثل مرتبة مالك، أو يحيى بن سعيد كما قال أبو داود، نهيك أن يربطهم بطالب علم مغرور، أو داعية جاهل بأصول التوحيد، وحق الله على العبيد، له حمل بعير من الانحرافات، يجري وراء الفتات، يلتقط ما تخلفه الجمعيات الخيرية الحزبية من القوات، فداعية هذا حاله ينتقل من دولة إلى دولة من أجل درهم أو دينار، لا يقود الشباب إلاّ إلى أرض موات، أو مفازة بلا نبات والله المستعان.
واعلموا يا شباب الإسلام حفظكم الله من كل سوء أنّه من تنكب منهج السلف في الاستدلال والأحكام، وولى له ظهره، وصار يتطاول بالغريب والشّاذ من الأقوال، فهذا والعياذ بالله قد استهان بعقول الأئمة المتقدمين العُظام، الذين خدموا العلم بإخلاص وورع جيلا ً بعد جيل.
وزد على ذلك يكون قد روّض بهذا الأسلوب الحادث الطلاب على الاستهانة بالعلم نفسه، وهذا هو البلاء الماحق لكل فضيلة في طالب العلم، المخرج من حقل التواضع في طلب العلم والتعليم إلى فيافي التيه والغرور، والاستطالة بعلم ليس منه في قبيل ولا دبير، ولا نفير ولا قطمير، ومن تشبع بما لم يعط فقد لبس ثوبي زور. واللهَ أسألُ أن يتولانا والصالحين من عباده.
*ثالثا: الجواب باختصار مراعاة لوضع القراء على الشبكة:
إن التكبير شُرِع في المواضع الكبار والمواقف الجليلة، ولكثرة الجمع، أو لقوة الحال، أو لعظمة الفعل، فإنّه صلى الله عليه وسلم لما أشرف على خيبر قال: (الله أكبر، خربت خيبر) وكان صلى الله عليه وسلم يكبر على الأشراف مثل التكبير إذا ركب الدابة، وإذا علا نشزًا من الأرض، وإذا صعد على الصفا والمروة؛ فقد جاء عن جابر قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا علونا كبرنا، وإذا هبطنا سبحنا)، وجاء التكبير في الأذان في أوله وفي آخره، والأذان هو الذكر الرفيع، كل هذا ليُبَيِّنَ اللهُ لخلقه أنه سبحانه وتعالى أكبر، ويستولي كبرياؤُه في القلوب على كبرياء كل أمر كبير، فيكون الدينُ كلُه لله تعالى، ويكون العبادُ له مكبرون، فيحصل للعباد المنقادين لأوامره مقصودان؛ المقصود الأول العبادة بتكبير قلوبهم لله، والمقصود الثاني الاستعانة بانقياد سائر المطالب لكبريائه، ومنه شرع التكبير على الهداية والرزق والنصر، لأنها أكبر ما يطلبه العبد، وهي جماعُ مصالِحِه.
قلت: وجماع هذا أن التكبير مشروع عند كل أمر كبير من مكان وزمان وحال ورجال. وهكذا عيد الأضحى قد اجتمع فيه التعظيم والنعمة، فاستحق الجمع بين التكبير والحمد، فالله أكبر على ماهدانا، والحمد على ما أولانا.
*رابعا: إن التكبير في عيد الأضحى وأيام التشريق ينقسم إلى قسمين ومطلق ومقيد.
أما المطلق فيكون في البيوت والأسواق، والطرقات، و راكبا وماشيا، لقوله تعالى ((أذكروا الله في أيام معلومات))، ولقوله تعالى ((ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم)). ولقوله صلى الله عليه وسلم (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل) رواه مسلم.
وصح عن عبد الله بن عمر (أنه إذا غدا يوم الفطر، ويوم الأضحى يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام) رواه البيهقي والفريابي وابن أبي شيبة، وانظر الإرواء للعلامة الألباني (3/ 122 برقم650).
قال الإمام البخاري رحمه الله: (وكان ابن عمر يكبِّر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرا.
وكان ابن عمر يكبِّر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه، ومجلسه، وممشاه، تلك الأيام جميعا) انظر مختصر صحيح البخاري للعلامة الألباني (1/ 297 - 298ط مكتبة المعارف).
قال الإمام الزهري: كان الناس يكبرون في العيد، حين يخرجون من منازلهم حتى يأتوا المصلى، وحتى يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام سكتوا، فإذا كبر كبروا) رواه ابن أبي شيبة وإسناده صحيح.
وفي الباب آثار كثيرة عن السلف نكتفي بهذا القدر، وبالله التوفيق،
قال العلامة ابن قدامة رحمه الله في كتابه العظيم المغني (3/ 286ط التركي): (لا خلاف بين العلماء رحمهم الله في أن التكبير مشروع في عيد النحر .. ).
قال العلامة ابن تيمية الحراني رحمه الله في مجموع الفتاوى (24/ 221): (أما التكبير فإنه مشروع في عيد الأضحى بالاتفاق).
*أما المقيد: وهو الذي يكون عقب الصلوات الخمس في الجماعات وهو قول جمهور أهل العلم، وبعضهم وسع الأمر وجعله وراء كل صلاة فرضا كانت أو نفلا، في جماعة، أو منفردا، والصواب أن التكبير مقصور على الخمس في الجماعات للأثار الآتية الذكر، ومن وسّع الأمر فلا يُضيق عليه كما قال العلامة محمد ابن صالح العثيمين رحمه الله.
يتبع إن شاء الله وكتبه على عجالة: أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الجزائر كان الله في عونه.
¥