تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

3 - ومن الألفاظ التي استعملها محمد الأمين: البهتان، وهو مصدر بهته: إذا أتاه بقول أو عمل لا يترقبه ولا يجد له جوابا، والذي يتعمد ذلك: بَهوت، ويجمع على بُهُْت.

والبَهت: التحير، قال تعالى: فبهت الذي كفر.دهش وتحير وانقطعت حجته.

قال الشاعر:

فما هو إلا أن أراها فجأة - - فأبهت حتى ما أكاد أجيب

وهذا ما حصل فعلا لمحمد الأمين عندما قرأ التعليقات، وإن كنت لم أقصد هذا، وإنما أردت تنبيهه على أخطائه العلمية في المقال، بعد أن أعرض عن نصحي له عبر الخاص، وإجمالي له القول في المشاركات، وليس هذا ما يريده محمد الأمين قطعا باستعماله لكلمة البهتان هنا، إنما هو يريد:

البهتان: الكذب الفظيع الفاحش، الذي يبهت سامعه، أو الخبر الكاذب الذي يبهت السامع لأنه لا شبهة فيه.

ومن هذا وصف اليهود في الحديث المشهور بأنهم: قوم بهت، ومنه ما جاء في حديث الغيبة المشهور: ... إن لم يكن فيه فقد بهته.

وقد زاد البعض قيودا على البهتان يفارق بها محض الكذب، من ذلك: فحشه وسوءه، قال في الكليات بعد تعريفه: وهو أفحش الكذب، لأنه إذا كان عن قصد يكون إفكا.

وزادنا أبو هلال قيدا آخر فقال 38: البهتان: مواجهة الإنسان بما لم يحبه ..

قلت: هذه ثلاث كلمات ذكرها محمد الأمين حكما قاطعا على أكثر ما في التعليقات، وذكر مثلا على ذلك أورده، قد قرأه إخواني فيما سبق، وسننظر الآن في مدى انطباق هذه الكلمات على التعليقات من خلال المثل الذي ذكره، والذي يفترض أنه اختاره بعناية، بحيث يغني قارئه عن الرجوع إلى بقية التعليقات ليرى بقية المفتريات المدعاة، ومع معرفتي بأن البحث في المُثُل ليس من دأب الفحول، لأن القضية قد تكون صحيحة، ويخطئ المدعي في ضرب المثل، أقول: مع هذا سأبحث فيما ذكره من خلال مثله، حتى إذا ظهر لنا صوابه فلعله يكون صالحا لإثبات صحة دعواه في كذب أكثر ما في التعليقات، أو تبين لنا أنه طالح فيسقط كلامه، ويحتاج أن يثبت لنا بدليل جديد صحيح دعواه العاطلة، وإن كان لا تلازم في الحالين.

أول ما يلاحظه القارئ للتعليق على هذا المبحث من مقال محمد الأمين، أنني وقفتُ حائرا أمام ما حصل في النص الذي ذكر محمد الأمين في مقاله، جملة تحذف من وسط نص للإمام ابن عبد البر، وكلام للخطيب يبتر، ثم يذكر باقيه بالمعنى، وتلحق به الجملة التي حذفت من كلام ابن عبد البر، ماذا يعني هذا؟ فحاولت أن أجتهد في بيان هذه الكيفية التي تم بها التغيير في النصين، وأن أشير إلى سبب ذلك، وكلامي في أوله كان سؤالا صريحا، وفي وسطه كان على سبيل الخبر ظاهرا، ورجع في آخره بعد أن ظهر لي دليل جديد إلى أنه افتراض كله، وكلماتي واضحة في هذا، فمنها مثلا: (فلماذا لم يكمله حتى نعرف .. )، (وتتبعوا معي تصوري للأمر كيف تم). (يبدو أنه لاحظ أمرين.)، (ولا أجزم بشيء الآن لما أوقعنا فيه الشيخ من ارتباك)، (من الممكن أن يكون)، وأخيرا (ننتظر البيان من الشيخ).

وأنا في تعليقي هذا على النصين الذين نقلهما محمد الأمين، ومحاولتي لتفسير ما حصل فيهما = لم أخرج على طريقة أهل العلم، بل أنا على الجادة – إن شاء الله – فلا زال أهل العلم وطلبته يجتهدون في بيان كل تغيير يحدث في النصوص، يبينون سببه، وكيفية وقوعه، وممن وقع ... وما ترتب عليه، ولعل أول مأخذ على الكوثري ذكره الشيخ عبد الرحمن المعلمي في طليعة التنكيل = يصلح شاهدا لما فعلته.

فهذا الذي فعلته لا يعدو أن يكون افتراضات أوردتها لتفسير فعل مّا، وقد أحسن صنعا محمد الأمين نفسه إذ وصفها ب (الاحتمالات)، والمحتمل عندهم: ما استوى فيه الأمران شرعا وعقلا، أو هو ما شككت وترددت في أنه متساوي الطرفين، أو ليس بممتنع الوجود في نفس الأمر أو في حكم الشرع.

فهل يقال في هذا: خبر حتى يحتمل الصدق والكذب لذاته، أم هو من قبيل المشكك = المحتمل، وقد علمنا من طريقة أهل العلم أن احتمال الصدق والكذب من خواص الخبر، ولا يجري في سواه من المركبات المشتملة على نسبة ... فهذه لا يقال فيها: كذب و افتراء و بهتان؟ بل يقال فيها: خطأ وصواب؟ كما هي طريقة أهل العلم الأماجد كثر الله سوادهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير