ـ[أبو عمرطارق]ــــــــ[24 - 01 - 05, 01:21 م]ـ
قال ابن القيم:" فكم من باطل يخرجه الرجل - بحسن لفظه وتنميقه وإبرازه - في صورة حق! وكم من حق يخرجه - بتهجينه وسوء تعبيره - في صورة باطل! ومن له أدنى فطنة وخبرة لا يخفى عليه ذلك، بل هو أغلب أحوال الناس".2
ولهذا اشترط العلماء في المفتي أن يكون متيقظاً حتى لا تغلب عليه الغفلة والسهو، عالماً بحيل الناس و دسائسهم حتى لايغلبوه بمكرهم، فيستخرجوا منه الفتاوى حسب أهوائهم.
قال ابن عابدين: " وهذا شرط في زماننا. وليحتزر من الوكلاء في الخصومات، فإن أحدهم لا يرضى إلا بإثبات دعواه لموكله بأي وجه أمكن. ولهم مهارة في الحيل والتزوير وقلب الكلام، وتصوير الباطل بصورة الحق، فغفلة المفتي يلزم منها ضرر عظيم في هذا الزمان".3
وقال ابن القيم:" ينبغي للمفتي أن يكون بصيراً بمكر الناس وخداعهم وأحوالهم، ولاينبغي أن يُحسن الظن بهم، بل يكون حذراً فطناً، فقيهاً بأحوال الناس وأمورهم، يؤازره فقهه في الشرع. وإن لم يكن كذلك زاغ وأزاغ".1
ــ وأما المفتي فإن تجرده من الهوى أشد لزوماً من المستفتي، لأنه مخبر عن الله تعالى، فإن أفتى بهواه موافقة لغرضه أو غرض من يحابيه كان مفترياً على الله. لقول الله تعالى: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب، إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون. متاع قليل ولهم عذاب أليم} 2
ـ[الفهم الصحيح.]ــــــــ[25 - 01 - 05, 02:41 ص]ـ
4 - ومن ألفاظه كلمة المتعصب، وأصلها من عصب تعصيبا إذا أحاط به، ومنه عصبة الرجل بنوه وقرابته
لأبيه، سموا بذلك لأنهم عصبوا به أي أحاطوا به.
والتعصب في أقرب معانيه: عدم قبول الحق عند ظهور الدليل، بناء على ميل إلى جانب.
وهو من الأمراض السيئة التي أضرت بكافة الأمم، وقعدت بها عن بلوغ الدرجات العلى في الكمال البشري، وله خاصية عجيبة في إماتة العلوم وأهلها، ولولا رحمة الله بهذا الأمة لأودى بها منذ دهور.
والذي يهمني هنا أن أبين جانبا كثيرا ما يخفى على من يتلفظ بهذا الكلمة، أو يستعملها لبيان حال شخص أو جماعة، أو معالجة ظاهرة معينة، وهذا الجانب هو أن التعصب يتضمن عنصرين: أحدهما إيجابي، والآخر سلبي، فالعنصر الإيجابي: هو اعتقاد المرء بأن الفئة التي ينتمي إليها أو الشخص الذي يتبعه، أو المذهب الذي يتبناه أسمى وأرفع من غيره، والجانب السلبي – وهذا المهم هنا – هو اعتقاده أن البقية أحط ممن انتمى إليه.
وقد يبدو لأول وهلة أن هناك تلازما بين العنصرين، ولكن بالتدقيق يلاحظ وجود نوع من التمايز بين العنصرين مع ارتباطهما الظاهر.
فالجانب السلبي للتعصب هو الذي عانت منه البشرية طوال عهودها، فالشخص المتعصب هو قبل كل شئ ذلك الذي يحتقر فئة معينة أو يتحامل عليها، لاعتقاده في نفسه أنه أرفع من تلك الفئة، أو أنه برئ من نقائصها، وغالبا ما يكون سبب التحامل والتعصب على الآخرين نوعا من الحسد الخفي، أو الاعتقاد بأنهم يتمتعون بمزايا يعجز المتعصب عن بلوغها، فالصفة الغالبة على المتعصب هي كراهية الآخرين، وأما استعلاؤه بنفسه فصفة ثانوية، والمتعصب غالبا تغلب عليه النظرة السلبية للغير، ويتجه بتفكيره لاحتقار الآخرين وإلحاق الضرر بهم، أكثر مما يميل لإظهار مزاياه الشخصية، أو لكسب منفعة لنفسه.
ولا يرد هنا قوله تعالى للمؤمنين: {وأنتم الأعلون} لأنهم وإن كانوا كذلك، فليسوا بمتعصبين على أحد جهلا وظلما، ولا ينظرون إلى الآخرين نظر الازدراء، بل يرجون للكل الخير والهداية، ولذلك يقومون بواجب الدعوة إلى الإسلام ليتمتع الجميع بخيره وفضله، ويكونوا أعزة أعلون دنيا وآخرة – إن شاء الله -.
والآن فأي حق أقمته يا محمد الأمين حتى تتهمني بالتعصب في عدم الرجوع إليه؟ وأي حجة أظهرتها تلزمني أو غيري بإتباعك في باطلك عن الإمام مالك – رحمه الله -؟ فهل في مقالك إلا الخبط والخلط، والدعوى العريضة، والتعميم والإطلاق، والمبالغة في النفي، وإخفاء عشرات النصوص المناقضة لقولك و ... و ... ؟
¥