تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المشتركة (43)، خاصة في لفظ قد كُره في الإسلام، وهو خبثت نفسي) (44)، والذي هو مرتبط في دلالته اللغوية بالفعل لقِسَت)، من حيث دلالته على الخُبث والكسل والعيب والغثيان، إذ يقال: لقَسَه لقْساً: عابه، وهو لقِس ولقَّاس. ولقِست نفسه إلى الشيء لقَسا: نازعته إليه وحرصت عليه. ولقِست نفسه من الشيء: غثت وفترت وكسلت (45)، وخبُثت وضاقت (46). واللقِس: الشرِه النفس الحريص على كل شيء، وقيل: الشحيح (47).

والذي يُلحظ: أن هاتين اللفظتين خبُثت ولقِست) تُعدَّان في مدلولهما اللغوي من قبيل الترادف، إلا إن التوجيه النبوي الكريم ضيّق مجال استعمال لفظة خبثت) في حالة إضافتها إلى نفس المتكلم خبُثت نفسي)؛ وذلك لحرصه- عليه الصلاة والسلام- على البعد من إظهار قبح الدلالة في حالة نسبة الحدث إلى النفس. أما إذا كانت دلالة هذه اللفظة تحكي خبراً عن غائب أو مبهم، فإنها لا تقل شأناً عن التعبير بلفظة لقِست). يضاف إلى ذلك: أن لفظة خبُثت) ومشتقاتها، لها من الشيوع والذيوع ما ليس للقست)؛ إذ حفل كتاب الله العزيز بأمثلة كثيرة لمادة خبُث ومشتقاتها (48).

وخلاصة القول: فإن دلالة الخُبث واللقس واحدة، إذ تدل اللفظتان على الغثيان والكسل والقبح وسلوك أقبح الألفاظ وسوء الأفعال. وإنما خص النبي- - لفظ الخُبث في الحديث؛ لكرهه له (49)؛ لأن من دلالات الخبيث: ما لا منفعة فيه، وما تنكره النفس (50)، ولكرهه إضافته إلى نفس المتكلم خبُثت نفسي)، خلافاً لذكره مع الغائب، ومع المبهم مذموم الحال (51). وفي هذا إظهار لقيمة اللفظة حسب سياقها، وحسب مدلولها؛ وذلك لأن الألفاظ أدلة يُستدل بها على مراد المتكلم، فإذا ظهر مراده ووضح بأي طريق كان، عمل بمقتضاه، سواء كانت بإشارة، أو كتابة، أو دلالة عقلية، أو قرينة حالية (52). ويغلب على دلالة النهي في خبثت نفسي)، جانب الدعوة إلى حسن الأدب في القول؛ لأن النهي الوارد في الحديث السابق ليس على سبيل الإيجاب، بل هو من باب الأدب (53).

4 - ربب الرب): من أسماء الله تعالى: الرب، ولا يُقال لغيره إلا بالإضافة. ويطلق الرب على المالك والسيد والكبير والمربي والقيِّم والمنعم والمدبر والمصلح (54). وقد أُطلق الرب في الجاهلية على المَلِك، ومنه قول الشاعر:

وهو الربُ والشهيد على يو

م الحِياريْن والبلاءُ بلاءُ (55)

وقد أرشدنا الهادي البشير- - إلى ترك التعبير بلفظة رب) في حالة إسناده إلى المتكلم أو المخاطب، لما رواه أبو هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله-- أنه قال: [ولا يقل العبد: ربي، ولكن ليقل: سيّدي] (56)، وما رُوي عنه أيضاً أنه قال: قال رسول الله- -: [لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وضئ ربك، اسقِ ربك. وليقل: سيّدي مولاي] (57).

ولهذا التوجيه النبوي الكريم قيمة عظيمة في إجلاء المدلول اللغوي لـ لفظة الرب) في حالة دخول الألف واللام عليها، وفي حالة كونها مجردة عن ذلك مضافة إلى ما بعدها، ومدى ارتباط ذلك المدلول اللغوي بالمدلول الشرعي، إذ إن المدلول اللغوي لالرب): أنه اسم الله- عز وجل-، إذ هو رب الأرباب، وله الربوبية، وهو رب الدار والعبد وغير ذلك (58). وهذا المدلول اللغوي- إضافة لما سبق إيضاحه في تعريف الرب) -، مرتبط بالمدلول الشرعي، فقد ذكر العلماء أن الرب) لا يطلق إلا على الله خاصة، ويطلق على غيره بالإضافة، ومنه قوله- - في حديث أشراط الساعة: [أن تلد الأمة ربَّتها] (59)، وكما في الحديث الصحيح في ضالة الإبل: [دعها حتى يلقاها ربُّها] (60). وإنما كُره للمملوك أن يقول لمالكه ربي)؛ لأن في ذلك مشاركة لله تعالى في الربوبية. وأما قول يوسف: اذكرني عند ربِّك (61)، فله جوابان: أحدهما: أنه خاطبه بما يعرفه، وجاز هذا الاستعمال للضرورة. وثانيهما: أن هذا شرع من قبلنا ولا يكون شرعاً لنا، إذ ورد شرعنا بخلافه. وهذا لا خلاف فيه (62).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير