تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا التخصيص للنهي عن استخدام لفظة ربي) مضافة إلى ياء المتكلم في الحديث السابق، لا يُفهم منه تحريم ذلك الاستخدام، أو هجر ذلك المدلول اللغوي؛ لأن العبد إذا قال: هذا ربي، فذلك جائز؛ لأنه من العبد لسيده، كما قال تعالى عن صاحب يوسف: إنه ربي أحسن مثواي (63)، أي: سيدي؛ لأن المحذور منتفٍ، وهو إذلال العبد؛ لأنه هو الذي نسب إلى نفسه ذلك (64)، ولأن النهي للأدب وكرامة التنزيه، لا للتحريم، ولأن المراد النهي عن الإكثار من استعمال لفظة ربي) واتخاذها عادة شائعة، إذ لم ينهَ عن إطلاقها في نادر من الأحوال (65)، قال الأعشى:

ربي كريم لا يكدرُ نعمة وإذا يُناشدُ بالمهارق أنشدا (66)

كما أنه يقال لكل من قام بإصلاح شيء وإتمامه: قد ربّه يربُّه، فهو ربٌّ له (67)؛ لأن أصل الرب في الاشتقاق من التربية، وهي التنشئة، إذ يقال للمالك: رب؛ لأنه يملك تنشئة المربوب (68)، ولأنه يسوسه ويدبره، فيكون ذلك بمنزلة التربية له من حيث القيام عليه بالصلاح حتى يبلغ المراد (69).

ونظراً لما تقتضيه لفظة ربي) من دلالة شرعية يغلب عليها إفراد الله بالعبادة دون سواه، فقد أرشد- عليه الصلاة والسلام- إلى التعبير بلفظتي سيدي ومولاي)؛ لأن هاتين اللفظتين من الألفاظ التي يُخبر بها عن الخالق والمخلوق، فالسيد: هو الذي يفوق في الخير قومه، وهو المالك، والشريف، والفاضل، والكريم، ومتحمّل أذى قومه، والرئيس (70)، قال الشاعر:

فإن كنْتَ سيِّدَنا سُدتَنا وإن كنتَ للخالِ فاذهبْ فخلْ (71)

وهذه اللفظة موطن خلاف بين العلماء: أهي من أسماء الله- تعالى- أم لا؟. فإن قيل: ليس من أسماء الله، فالفرق واضح، إذ لا التباس ولا إشكال. وإن قيل: إنه من أسماء الله- تعالى- فإنه ليس مستعملاً ومشهوراً كلفظ الرب) (72)، فقد نقل عن مالك أنه قال: [أكره للرجل أن يقول في دعائه: يا سيدي يا سيدي، يا حنّان يا حنّان. ولكن يدعو بما دعت به الأنبياء: ربنا ربنا] (73). أما السيد بالألف واللام فلا يقع على وجه الإطلاق إلا لله- تعالى-، قال- -: [السيد هو الله] (74). والغالب في ذلك: أنه لم يأتِ تسمية الله- تعالى- بالسيد) لا في قرآن كريم، ولا في حديث متواتر، ولذا فليس في قول العبد إشكال ولا لبس؛ لأنه يستعمله غير العبد والأمة (75) - خاصة إذا وقع مضافاً-، فإنه يكون لغير الله مطلقاً، كما في قوله- تعالى- وألفيا سيِّدَها لدى الباب (76). وهناك من ينطق لفظة سيدي) بالتخفيف، فيقول سِيْدي)، بكسر السين وتخفيف الياء، ولم يثبت عن العرب؛ لأن السِيْد بالتخفيف مع الكسر هو الذئب، وربما سمّي به الأسد (77).

أما اللفظة الثانية التي أرشد- عليه الصلاة والسلام- إلى استخدامها مكان لفظة ربي)، فهي لفظة مولاي)، والتي من دلالتها: الناصر، والرب، والمالك (78)، والسيد، والصاحب، والمعين (79). ويكون مشتركاً بين المعتِق والمعتَق وغيرهما (80). ويكون بمعنى الولي، كما قال تعالى: ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم (81)، أي: لا ولي لهم. وقوله --: [أيما امرأة تزوجت بغير إذن مولاها، فنكاحها باطل]، أي: بغير إذن وليِّها (82). ولا بأس في قول العبد لسيده: مولاي (83)؛ لأن هذه الولاية مقيَّدة مضافة، أي: متولي أمري (84).

وخلاصة القول: أنّ لفظة رب) قد اكتسبت دلالة لغوية عن طريق دخول السوابق واللواحق، فإذا سُبقت بالألف واللام الرب)، أصبحت دلالتها خاصة بالله في عُرف أهل السنة والجماعة؛ لأن "اسم الرب له الجمع الجامع لجميع المخلوقات، فهو رب كل شيء وخالقه والقادر عليه، لا يخرج شيء عن ربوبيته، وكل من في السموات والأرض عبد له في قبضته وتحت قهره" (85)، خلافاً لما كان عليه الجاهليون من إطلاق لفظة الرب) على المَلِك. أما إذا جاء بعدها لواحق مثل ياء المتكلم ربي)، فإن دلالتها الشرعية موطن خلاف بين العلماء: أهي خاصة بالله وحده، أم يشترك في التعبير بها غيره؟. والراجح: توظيف دلالتها في حالة إسنادها إلى ياء المتكلم إلى الخالق وغيره؛ لأن النهي الوارد في الحديث للأدب وكرامة التنزيه، لا للتحريم، ولأن المراد من النهي: عدم الإكثار من استخدامها، واتخاذها عادة شائعة (86)، وعدم تطويعها لإهانة المملوك وازدرائه، فإذا قال العبد مخبراً: هذا ربي، فذلك جائز؛ لأن المحذور منتف، وهو الإذلال؛ لأنه هو الذي نسب إلى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير