تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

نفسه ذلك (87). ولعل الأنسب والأحوط: التعبير بلفظة مولاي وسيدي)؛ حيث إنهما موطن التوجيه النبوي، وحيث إنهما مناسبان في مقام التعبير والاعتراف بولاية وسيادة الآخرين، وخاصة أن مثل هاتين اللفظتين أصبحتا شائعتين ذائعة في الأوساط الاجتماعية ذات الجاه الكبير والسمعة العالية، فضلاً عن استخدام البسطاء لهما في مقام الأدب والتشريف؛ لأن السيد في عُرف العرب: من إذا حضر هيب، وإذا غاب اغتيب، ومن يتحمل أذى قومه، وينفق عليهم من ماله (88).

وكل هذه التوجيهات النبوية، جعلت الألفاظ السابقة ذات دلالة شرعية، كان لظهور الإسلام فيها أكبر الأثر في التصوّر العقلي، والارتقاء الأسلوبي، والكيان الوجداني، مما جعلها تأخذ مدلولاً جديداً في ظل تعاليم الدين الحنيف، وفي ذلك يقول الجاحظ: " ... وقد ترك العبد أن يقول لسيده: ربي ... ، وكذلك حاشية السيد والملِك تركوا أن يقولوا: ربنا" (89). أي: أن الإسلام قد غير كثيراً من القيم الفكرية والاجتماعية في المجتمع الجاهلي، إذ عدل عن بعض الألفاظ، واستبدلها بألفاظ ذات دلالات جديدة، لم تكن شائعة الاستعمال من قبل، وفي ذلك يقول أبو حاتم الرازي: "الرب: المالك والسيد، والرب في كلام العرب هو المالك ... ، ولا يقال للمخلوق هو: الرب معرَّفاً بالألف واللام كما يقال لله عز وجل، بل يعرف بالإضافة ... " (90). والأفضل والأحوط: ترك استخدام لفظ ربي) في مقام التعظيم، أو الإخبار عن مالك المملوك؛ لأن المملوك ومن في حكمه هم من الآدميين الذين أخذ الميثاق منهم في قوله تعالى: ألست بربكم (91)، وغير الآدميين ليسوا كذلك (92). كما أن دلالة هذه اللفظة ربي) كانت من بقايا الاستعمالات الجاهلية (93)، التي دعا الإسلام إلى توظيفها في جانب الدلالة الشرعية الحاملة على معنى العبودية والتذلل للخالق في غالب دلالتها؛ لأن وجود القرينة اللفظية عن طريق المضاف إليه، وتعدد حالات الإخبار، له دور كبير في تحديد دلالة اللفظة، ومسوغاتها الشرعية.

5 - رسل الرسول): من الألفاظ ذات الدلالة اللغوية والدلالة الشرعية: لفظة الرسول)، إذ هو في المدلول اللغوي: المرسَل، والرسالة (94). أما في المدلول الشرعي: فإنسان بعثه الله إلى الخلق لتبليغ الأحكام (95). وهذا المدلول الشرعي أكسب لفظة الرسول) معنى سامياً، عن طريق نقل ذلك المعنى من الشخص الذي يُرسل في مهمة (96)، إلى ذلك المرسَل من ربه، المبلغ عنه ما أمره به في غير تقهقر أو ضعف. وعلى الرغم من وضوح هذه الدلالة لالرسول)، وما اكتسبته من أوصاف محمودة، إلا إن هناك توجيهاً من النبي- عليه الصلاة والسلام- يحث فيه على استخدام لفظة النبي) مكان لفظة الرسول)، من ذلك ما رواه البراء بن عازب- رضي الله عنه- أن رسول الله- - قال: [إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم إني أسلمت وجهي إليك ... إلى أن قال: آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت ... قال: فرددتهن لأستذكرهن: فقلت: آمنت برسولك الذي أرسلت، قال--: قل: آمنت بنبيك الذي أرسلت] (97).

يُلحظ من خلال هذا التوجيه النبوي الكريم: إبراز القيمة الدلالية لكل من الرسول والنبي)، وما تفردت به لفظة النبي) من دلالة خاصة، تعود إلى نظرة العلماء في إيجاد فروق لغوية بين النبي والرسول)، أحسنها: ما ذكروه من أن من أنبأه الله بخبر السماء وأمره أن يبلغ غيره، فهو نبي ورسول، وإن لم يأمره أن يبلغ غيره فهو نبي وليس برسول. فالرسول أخص من النبي، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً؛ لأن النبوة جزء من الرسالة، إذ الرسالة تتناول النبوة وغيرها، بخلاف الرسل، فإنهم لا يتناولون الأنبياء وغيرهم، بل الأمر بالعكس. فالرسالة أعم من جهة نفسها، وأخص من جهة أهلها (98). كما إن النبي لا يكون إلا صاحب معجزة، بينما الرسول قد يكون رسولاً لغير الله تعالى، فلا يكون صاحب معجزة (99)، قال الشاعر:

لقد كذب الواشون ما بُحْتُ عندهم بليلى ولا أرسلتهم برسول (100)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير