تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يضاف إلى ذلك: أن الإنباء عن الشيء قد يكون من غير تحميل النبأ، بينما الإرسال لا يكون إلا بتحميل. والنبوة يغلب عليها الإضافة إلى النبي، فيقال: نبوة النبي، لأنه يستحق منها الصفة التي هي على طريق الفاعل، والرسالة تضاف إلى الله؛ لأنه المرسِل بها. والرسالة جملة من البيان يحملها القائم بها ليؤديها إلى غيره. والنبوة: تكليف القيام بالرسالة، ومن ثم يجوز إبلاغ الرسالات، ولا يجوز إبلاغ النبوات101).

وقيل: الرسول من بعثه الله بشريعة جديدة يدعو الناس إليها. والنبي من بعثه الله ليقرر شريعة سابقة، كأنبياء بني إسرائيل102). وعلى هذا فإن الرسول أفضل بالوحي الخاص الذي فوق وحي النبوة103).

وإذا كانت آراء علماء الشريعة واللغة ومن حذا حذوهم، قائمة على إيجاد فروق لغوية بين لفظتي الرسول والنبي) - كما سبق إيضاحه- فإن هناك من يرى أنه لا فرق بينهما؛ لأن الله خاطب محمداً مرة بالنبي، ومرة بالرسول104). وليس هذا التعليل قاطعاً؛ لأن هناك أنبياء ورسلاً غير

محمد-- لا ينطبق عليهم هذا الرأي، وإنما خص الله محمداً- عليه الصلاة والسلام- بالنبوة والرسالة، ومن ثم جاء تعبيره بهما حسب المقام، فقد جاء- عليه الصلاة والسلام- بأمدح النعت في الحديث السابق، وهو النبوة، ثم قيده بالرسالة حين قال: الذي أرسلت) 105).

وخلاصة القول: أنّ كتب اللغة والحديث والفقه قد أوجدت فروقاً بين النبي والرسول) من حيث المدلول اللغوي، وما صاحبه من القيام بمهام كل من النبي والرسول، التي نرى أنها قد اجتمعت في رسولنا- عليه السلام- إذ خاطبه الله بالنبي مرة، وبالرسول مرة أخرى. وإنما جاء رده لمن وصفه بالرسول دون النبي- كما في الحديث السابق-؛ لكي يختلف اللفظان، ويجمع له الثناءان: معنى النبوة والرسالة، ويكون ذلك تعديداً للنعمة في الحالين، وتعظيماً للمنة على الوجهين106)؛ وذلك لأن النبي أمدح من الرسول؛ لأن اسم الرسول يقع على الكافة، واسم النبي لا يتناول إلا الأنبياء خاصة. وإنما فُضّل المرسلون من الأنبياء؛ لأنهم جمعوا النبوة والرسالة معاً، فلما قال: وبنبيك الذي أرسلت)، جاء بأمدح النعت، وهو النبوة، ثم قيده بالرسالة حين قال: الذي أرسلت) 107). وفي هذا تخصيص لدلالة لفظة النبي) التي ذُكرت من خلال التوجيه النبوي الكريم في الحديث السابق الذي رواه البراء بن عازب، وإيثار لها على لفظة الرسول) من خلال مراعاة المقام، ومن خلال إيجاد الفروق اللغوية بين لفظتي النبي والرسول)، وما اقتضته لفظة النبي) من دلالات لغوية، كان من أبرزها: ما ذكره الكلبي والفراء وغيرهما: بأن كل رسول نبي من غير عكس108)، وما ذكر من أن رسول الله- - سُئل عن الأنبياء فقال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً. قيل: فكم الرسل منهم؟ قال: ثلاثمائة وبضعة عشر109). ولا شك أن لمثل هذه التوجيهات والتعليلات والمفاضلة قيمة بارزة في الدلالة اللغوية، عن طريق التخصيص اللفظي لالنبي)، ومن ثم التخصيص الدلالي له، بما يكسبه قيمة دلالية متميزة، من خلال التوجيه النبوي الكريم، ومن خلال مراعاة السياق، وكثرة الاستعمال.

6 - زرع الزرع): من المعاني التي يدل عليها الزرع: أنه نبات كل شيء يُحرث، وطرح البذر في الأرض، والإنبات، يقال: زرعه الله، أي أنبته110)، ومنه قوله تعالى: أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون111)، إذ نسب الله تعالى الحرث إليهم، ونسب الزرع إلى نفسه112).

وهذه المعاني والدلالات معروفة لدى عامة الناس وخاصتهم من الفلاحين والمزارعين وغيرهم، إلا أن الحديث النبوي الشريف سما بهذه الدلالات اللغوية، وأضفى عليها صبغة شرعية، من ذلك ما رواه أبو هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- - أنه قال: [لا يقولن أحدكم: زرعتُ، وليقلْ: حرثتُ، فإن الزارع هو الله] 113). والشاهد في ذلك: أن في ذكر هذا الحديث تعليلاً شرعياً لاستبدال الفعل حرثت) مكان الفعل زرعت)، وبيان أن الزارع هو الله تعالى؛ لأن إيجاد الحب في السنبل ليس بفعل أحد غير الله تعالى، وإن كان إلقاء البذر من فعل الناس114). ومثل هذا التوجيه في الحديث الشريف يدعونا إلى إبراز القيمة الدلالية لحثه- عليه الصلاة والسلام- على جعل التعبير بحرثتُ) بدلاً عن زرعتُ)؛ وذلك لأن في التعبير بالفعل حرثَ) توسيعاً لمجال الدلالة اللغوية، إذ يُقال: حرث الأرض وفلحها وأكَرَها، ويقال للأكّار: الحرّاث

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير