تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

النهار139).

ومن هنا تبرز القيمة الدلالية لتوجيه هذا الفعل قضيتْ) في الحديث السابق، وإحلاله محل الفعل انصرفنا)؛ لأن القضاء: فصل الأمر قولاً كان أم فعلاً140)، وأداؤه والإنهاء منه141) على وجه التمام142)، ومنه قول الشاعر:

ولما قضينا من منى كل حاجة ومسّح بالأركان من هو ماسحُ143)

وخلاصة القول: أنّ الفعل صرف) يغلب على دلالته المعاني التي تعافها النفس، وتأباها العاطفة، فإذا سمعتِ الأذن لفظة انصرف) - على سبيل المثال- تبادر إلى الفهم معاني الإهانة والتوبيخ وعدم المبالاة بحال المخاطب، كذلك الحال مع من يقول: انصرفنا من الصلاة، فكأن هناك صارفاً صرفه، إما نفسه الأمارة بالسوء، وإما شيطانه، وإما تعلق قلبه بالدنيا وملذاتها، وكل ذلك ليس من آداب المصلي. أما الفعل قضى) فإنه قد اكتسب من قوة حروفه المجهورة: القاف والضاد144) قوة في إحكام الشيء وحسن تمامه؛ فإنه يدل دلالة إيحاء، ويثير في النفس جواً يهيئ لقبول المعنى ويوجه إليه ويوحي به145)، ومثل ذلك مناسب لطبيعة القضاء، والتي تعني في أصل دلالتها: التفصيل والقطع146)، ومن ذلك: التعبير بذلك الفعل في شأن الانتهاء من الصلاة، كما في قوله تعالى: فإذا قُضيتِ الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون147). وإن المتأمل لمادة قضى) ومشتقاتها، يجد أنها قد ذكرت في كتاب الله العزيز اثنتين وعشرين مرة في سور مختلفة148)، كلها تدل على إحكام الشيء وتمام فصله وحسن الانتهاء منه149)، خلافاً لمادة صرف) ومشتقاتها، والتي ذُكرت في كتاب الله العزيز عشرين مرة في سور مختلفة150)، لا تتجاوز فيها الدلالة عن معاني الوعد والوعيد، والإنذار والتهديد. ومن هنا جاء التوجيه في الحديث السابق إلى استخدام التعبير بـ القضاء مكان الانصراف؛ لما لذلك من دلالة لغوية تحمل معاني إنهاء الشيء على وجه التمام، سواء أكان قولاً أم فعلاً، ولما له أيضاً من دلالة شرعية تحمل على حسن الأدب، وجمال المنطق في مجالات الإخبار والإفادة.

8 - عبد، أمه العبد والأمة): العبد: خلاف الحُر151)، ويُطلق على مملوك الرقبة بطريق شرعي، وعلى المخلوق للعبادة152)، والإنسان حراً كان أو رقيقاً؛ لأنه مربوب لله تعالى153). ويُجمع جمع قلة على أعبُد وأعابد، وجمع كثرة على عِباد وعبيد وعِبْدان وعُبْدان وعِبِدَّى ومعبوداء154).

أما الأمة فهي: المملوكة من النساء155)، وتسمى الجارية156). وتجمع أمَة في قلّتها على آم، فإذا كثُرت فهي الإماء، وقد تجمع على إمْوان، قال الشاعر:

أما الإماءُ فلا يدعونني ولدا إذا ترامى بنو الإمْوان بالعار157)

وقد نهى الشارع الحكيم عن استخدام هاتين اللفظتين عبدي، أمتي)؛ لما تدلان عليه من معنى الاستعباد والإهانة، وأرشد إلى التعبير عنهما بغلامي، جاريتي، فتاي، فتاتي)، كما في الحديث الذي رواه أبو هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله- - قال: [لا يقولن أحدكم: عبدي وأمتي، كلكم عبيد الله، وكل نسائكم إماء الله. ولكن ليقل: غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي] 158).

يُلحظ من خلال التوجيه النبوي الكريم في هذا الحديث الشريف نهي وأمر: نهي عن استخدام التعبير بلفظتي عبدي وأمتي)، وأمر بالحث على استخدام التعبير بلفظ غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي). ولكل واحد منها دلالته الخاصة: فالغلام: من سُمّي بذلك منذ ولادته إلى أن يُدرك159). والجارية: الصغيرة من النساء في مقابلة الغلام من الرجال160). والفتى: الطري من الشباب، والأنثى فتاة، يقال: فتاي وفتاتي، أي: غلامي وجاريتي161). ويُكنّى بها عن العبد والأمَة162). وكانوا يسمون المملوك فتى163).

وربما استعير الفتى للعبد- وإن كان شيخاً- مجازاً، من قبيل تسميته باعتبار ما كان عليه164)؛ لأن الخدم كانوا شباباً165)، وإن كان هذا الوصف يشترك فيه المماليك في حالة الشباب والكِبر166)؛ لأن الأصل في الفتى: الكامل الجزْل من الرجال167)، وإنما قيل للخادم: فتى من باب حسن الأدب168).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير