تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وتبرز القيمة الدلالية لهذه الألفاظ من خلال توجيه الشارع الحكيم إلى تغيير لفظتي عبدي وأمتي)، وإحلال ألفاظ محلها تقوم بدلالتها في حالة نسبتها إلى مالكها وسيّدها، وهي غلامي، جاريتي، فتاي، فتاتي). وقد جمعت تلك الألفاظ بين الدلالة اللغوية، والدلالة الشرعية، ومن هنا قال العلماء: يُكره للسيد أن يقول لمملوكه: عبدي وأمتي، بل يقول: غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي؛ لأن حقيقة العبودية لله، فنهى عن التطاول في اللفظ، كما نهى عن التطاول في الفعل. أما قول غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي، فليست دالة على المِلك كدلالة عبدي، مع أنها تطلق على الحُر والمملوك، وإنما هي للاختصاص. وأما استعمال الجارية في الحُرّة الصغيرة فمشهور معروف في الجاهلية والإسلام. والظاهر أن المراد: النهي عن استخدام تلك الألفاظ التي تُستعمل على جهة التعاظم، لا الوصف والتعريف169). أما قول القائل: هذا عبد فلان، وهذه أمَة فلان، فهذا جائز، كما قال تعالى:

وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم170)، وقوله- عليه الصلاة والسلام-: [ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة] 171)؛ وذلك لأن الآية والحديث على نسبة غير الموالي إليهم، أما النهي في الحديث السابق، فعلى إضافة المالِكين إياهم إلى أنفسهم، وفي ذلك معنى الاستكبار عليهم172). أما قول القائل: عبدي وأمتي بصيغة الخبر، أو في غيبة العبد والأمَة، فلا بأس به؛ لأن القائل لا يقصد العبودية التي هي الذل، وإنما يقصد أنه مملوك. أما إذا كان بصيغة النداء: يا عبدي، فهذا منهي عنه، وأقل أحوال النهي: الكراهة173). والعلة من النهي: أن فيه إشعاراً بالعبودية؛ ولذلك نهى عنه الشارع الحكيم؛ حماية للتوحيد، وبعداً عن التشريك حتى في اللفظ، وتحرياً للأسلوب الأفضل والأكمل174).

وخلاصة القول: أن النهي النبوي الكريم عن استخدام لفظتي عبدي وأمتي) في حالة إضافتهما إلى ياء المتكلم، جاء عن طريق المدلول الشرعي الذي أشار إليه- عليه الصلاة والسلام- بقوله: [كلك عبيد الله، وكل نسائكم إماء الله] 175)، إذ يُفهم من هذا التوجيه دلالة المساواة، ودلالة تحقق العبودية لله وحده، مع الإبقاء على أصل مادة عبد)، والتي تدل على معنى عمل) في جميع اللغات السامية، فالعبد في الأصل: هو العامل، وليس سيئاً أن يكون رقيقاً مملوكاً. ومن هنا تحوّل العبد إلى كونه عبداً لله يطيعه ويتضرع إليه، وعلى هذا غلب عليه الذل بالقياسين، سواء كان عبداً لسيده، أو عبداً لخالقه176).

وإنما جاء معنى الذل في حق العبد عن طريق المدلول اللغوي، لأننا نقول: طريق معبّد، أي أنه قد وُطِئ بالأقدام177) فذُلّل بذلك، كما قال طرفة:

تباري عِتاقا ناجيات وأتبعت وظيفاً وظيفاً فوق مَوْرٍ معبَّد178)

وعلى هذا يصح أن يُقال: إن العبد هو: المعبَّد الذي عبَّده الله، فذلله ودبره وصرّفه؛ لأن الخلق كلهم عباد الله، إذ هو ربهم ومليكهم179).

وقد اكتسب هذا اللفظ تطوراً دلالياً، أكسب لفظة العبد) معنى مستحسناً، إذ نسمع قول: عُبيد، وعُبادة، وعبْدة، كما أكسب لفظة الأمَة؛ لأن معنى العبد يقع على الأمة، فإذا قال الرجل: قد أعتقتُ عبدي، جاز أن يكون المعتوق عبدته180).

وليست ياء المتكلم في لفظة عبدي) هي محور النهي عن استخدامها في الحديث السابق- على الرغم من شيوع استخدام دلالتها في تخصيص العبادة لله-، بل إن هناك مغزىً لغوياً يعود إلى جمع هذه اللفظة على عِباد وعَبيد، إذ إن المألوف في مقام الإخبار عن الرقيق أو المملوك أن يقول سيده: هؤلاء عبيدي، ولم نسمع من يقول: هؤلاء عبادي، وعلى هذا يقال: إن الملائكة والإنس والجن عباد الله وعبيده، وإن الأرقاء والمماليك عبيد فلان.

9 - كرم الكَرْم): تشير كتب اللغة والمعاجم إلى أن من دلالات الكَرْم: العنب وشجرة العنب. واحدتها كرْمة. وابنة الكرْم: الخمر181). وإنما سمي العنب كرْماً لكرَمه؛ لأنه قد ذُلّل لقاطفه، وليس فيه شوك يعقر جانبه ويؤذي قاطفه182).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير