تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

10 - كسف الكسوف): إن من المفردات اللغوية التي حظيت باجتهاد علماء اللغة، وعلماء الحديث والتفسير، لفظتي: الكسوف والخسوف، إذ جرى اختلاف حولهما: هل يُعد الكسوف والخسوف من الفروق اللغوية، أم من باب الترادف اللغوي؟، وهل الكسوف والخسوف يكون للشمس والقمر، أم إن لكل واحد منهما طبيعته التي يستقل بها عن الآخر؟.

وقبل الشروع في إجابة هذين السؤالين، نذكر الحديث الذي رواه الزُهري عن عروة أنه قال: "لا تقل كُسفت الشمس، ولكن قل: خُسفت الشمس"197)، إذ يكون منطلق الجواب عن السؤالين الماضيين، عن طريق التوجيه المذكور في الحديث، بذكر التعبير بخسوف الشمس بدلاً عن التعبير بكسوفها، وذلك على رأي من يقول بإيجاد فروق لغوية بين الكسوف والخسوف، إذ ذكر جماعة منهم الليث بن سعد: أن الخسوف يكون في ذهاب نور الشمس أو القمر كله. والكسوف في بعضه. وقيل: الخسوف ذهاب لونهما، والكسوف تغير اللون198). بينما يرى آخرون: أن الكسوف والخسوف من قبيل الترادف اللغوي، وأن معناهما واحد، وهو ذهاب نورهما وإظلامهما199)، يقال: خسفت الشمس وكسفت بمعنىً200).

أما جواب السؤال الثاني وهو: هل الكسوف والخسوف يكون للشمس والقمر، أم إن لكل واحد منهما طبيعته الخاصة؟، فإنه قد قيل في ذلك: إن الخسوف ورد في الحديث كثيراً للشمس، والمعروف لها في اللغة الكسوف لا الخسوف. أما إطلاقه في حديث [إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا حياته]، فعلى التغليب للقمر لتذكيره على تأنيث الشمس، فجمع بينهما فيما يخص القمر، وللمعارضة أيضاً، فإنه قد جاء في رواية أخرى: [إن الشمس والقمر لا ينكسفان] 201). وقد حكى القاضي عياض عن بعض أهل اللغة والمتقدمين: أن الخسوف للشمس، والكسوف للقمر202)، وما عليه جمهور أهل العلم وغيرهم: بأن الكسوف والخسوف يكون لذهاب ضوئهما كله أو بعضه203)، ولما ذكره أبو حنيفة بأنه قد يُستعمل الخسوف في الشمس، والكسوف في القمر204)، ولما ذكره ابن السكّيت من قول القائل: كسفت تكسف كسوفاً وكُسفت: ذهب ضوءها، وكذلك خسفت تخسف خسوفاً وخسفها الله، وكذلك القمر205). والكثير في اللغة- وهو اختيار الفرّاء- أن يكون الكسوف للشمس، والخسوف للقمر206)، وبه قال ثعلب، إذ ذكر أن أجود الكلام أن يُقال: كسفت الشمس وخسف القمر207).

وخلاصة القول: أن العلم الحديث يميل إلى إن هناك فرقاً بين الخسوف والكسوف، إذ ذهب المعاصرون من أصحاب الفَلك إلى أن الخسوف للقمر، والكسوف للشمس، وهذا يؤيد ما ذكره ثعلب208). وبناء على هذا: فإن القول بأن الخسوف والكسوف من قبيل الفروق اللغوية يكون أصوب وأسلم، إذ هو المألوف في عُرف الخاصة والعامة، وليس في ذلك مخالفة للشارع الحكيم؛ لأن التعليل غير صريح في ذلك، ولأن النهي لم يكن للتحريم، وقد قال الجاحظ في مثل ذلك: "وقد كرهوا أشياء مما جاءت في الروايات لا تُعرف وجوهها، فرأي أصحابنا لا يكرهونها. ولا نستطيع الرد عليهم، ولم نسمع لهم في ذلك أكثر من الكراهة. ولو اقتصروا على ظاهر اللفظ دون حكاية العلة، ودون إخبار عن البرهان، وإن كانوا قد شاهدوا النوعين مشاهدة واحدة"209). وكذلك فإن دواوين الشعر قد حفلت بتخصيص الكسوف والخسوف، من ذلك ما ذكره جرير في قوله:

فالشمس كاسفة ليست بطالعة تبكي عليك نجوم الليل والقمرا210)

أما ما ذُكر في الحديث الشريف السابق الذكر، من ورود الخسوف مع الشمس، فإنما يُحمل- والله أعلم- على التغليب، إذ ورد ذكر كل من الكسوف والخسوف مع الشمس والقمر211)، وإنما غُلّب القمر لتذكيره. ولعل الذي سوغ ذلك: الاتحاد الصوتي؛ إذ إن حرفي الكاف والخاء من الحروف المهموسة212).

11 - نسي النسيان): من دلالات النسيان: الغفلة عن معلوم في غير حالة السِنة213)، والترك، وضد الذِكر والحفظ214).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير