تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والأصل في هذا الفعل هرق) تجرّده من الهمزة، إذ لا يقال: أهرقتُ، مع أنه قد جاء بالهمزة، إذ تقول: هرقتُ الماء هرْقاً وأهرقتُه230)، إلا إن هذا الصنيع يُعد لحناً، إذ لا يقال: أدفقتُ ولا أهرقتُ231)؛ لأن ذلك خطأ في القياس232).

وإذا كانت دلالة هذا الفعل هرق) تدل على الشيء المصبوب، فإن هناك توجيهاً نبوياً يدعو إلى استخدام التعبير بالفعل أبول)، مكان التعبير بالفعل هرق)، كما في حديث: [لا تقل: أُهريق الماء، ولكن قل: أبول] 233). ومما لا شك فيه أ دلالة البول معروفة، إذ هو واحد الأبوال، يقال: بال الإنسان وغيره يبول بولاً234)، أي أخرج السائل الذي تفرزه الكُليتان عندما يجتمع في المثانة حتى تدفعه235).

وإذا كان الأصل في البول أنه سائل مائي، فيا تُرى ما قيمة ذكره مكان إهراق الماء؟.

إن الجواب عن هذا السؤال يدعونا إلى معرفة طبيعة البول التي تتطلب خروجاً من المثانة بصورة سريعة منتظمة236)، تكون مدفوعة برغبة المتبول في الخلاص من ذلك السائل المائي، مع

حرصه على سلامة أعضائه وثيابه من وصول البول إليها، وربما يكون ذلك مناسباً لطبيعة حروف هذه المادة ب و ل)، والتي هي من الحروف المجهورة237) المناسبة لفعل المتبول، من حيث حرصه على الخلاص من ذلك الأذى واختصار وقت تبوله، خلافاً لطبيعة مادة هرق) التي بدئت بحرف مهموس هو الهاء238).

لأن إهراق الشيء قد لا يتطلب السرعة والتدفق والكثرة، خلاف ما عليه الحال مع البول؛ لأن أكثر ما تكون الإراقة في الدمع والمطر والخمر والدم239). وهذه الأشياء الأربعة المصاحبة للإراقة هي نسبية بطبيعتها، من حيث القلة والكثرة، ومن حيث السرعة والبطء، خلافاً لطبيعة البول المصحوبة بالسرعة والحرص على التخلص من الأذى- في أغلب الأحيان-، ولذا ورد في الحديث: [إذا بال أحدكم فليرتدْ لبوله] 240)، أي: يطلب مكاناً ليناً أو منحدراً241)، وذلك حتى لا يفضي حرص المتبول على سرعة إنهاء تبوله إلى إيجاد قطرات من بوله على جسمه أو ملابسه. ومن هنا فإن القيمة الدلالية لتوجيه الفعل أبول)، جاءت عن طريق التوجيه الشرعي الذي آثرها على الفعل أهريق)، كما جاءت عن طريق مناسبة الأصوات لمعانيها؛ لأن الحروف المجهورة جاءت مناسبة لطبيعة البول والمتبول، ولأن تمييز الألفاظ شديد242).

وخلاصة القول: أن الذي يظهر من خلال توجيه الفعل أبول)، مكان الفعل أهريق)، أنه لا يُراد منه تضييق دائرة الاستعمال اللغوي؛ لأن إهراق الماء قد استخدم مع بول ذلك الأعرابي الذي بال في المسجد، فما كان رد رسول الله- - إلا أن قال: [دعوه وهَريقوا على بوله سَجْلاً من ماء] 243). وفي حديث آخر "أنه لما قضى بوله أمر النبي- - بذَنوب من ماء فأُهريق عليه"244). ولعل الذي يستفاد من هذا التوجيه: أن الأمر والنهي في الحديث السابق ليس للوجوب، وإنما هو للحث على الرقي بالأسلوب، ومراعاة الحدث وطبيعة القائم به، وإيجاد المناسبة الصوتية بين حرف الباء من الفعل أبول) وبين فاعله؛ لأن حرف الباء يدل على بلوغ المعنى في الشيء بلوغاً تاماً245)، ولعل ذلك أنسب لطبيعة البول، أكثر من الإهراقة والإراقة.

13 - ولج: تقول ولج يلج ولوجاً ولِجة، أي: دخل. وأولجه أدخله246). وولج الأمر وفي الشيء ولوجاً، أي: دخل247). والمولِج: المدخل248).

وإذا كان هذا الاستعمال معروفاً، فإن هناك توجيهاً نبوياً كريماً يدعو إلى ترك استخدام هذه اللفظة، واستبدالها بلفظة الدخول)، من ذلك ما روي عن عمرو بن سعيد الثقفي: أن رجلاً استأذن على النبي- - فقال: أألج؟ فقال النبي- - لأمَة يقال لها روضة: [قومي إلى هذا فعلّميه، فإنه لا يحسن يستأذن، فقولي له يقول: السلام عليكم أأدخل؟]. فسمعها الرجل، فقال: أأدخل؟ 249). ولم يقصد- عليه الصلاة والسلام- بهذا التوجيه تضييق جانب الإثراء اللغوي في مجالات التعبير؛ لأن العلاقة الدلالية بين الولوج والدخول كبيرة جداً، فكلاهما نقيض الخروج250)، وإنما أراد الإشارة إلى مراعاة المقام، وطبيعة الحال؛ لأن التعبير بالولوج له دلالته الموحية بالسرعة وعدم الاستئذان في غالبه، وربما عدم مراعاة حرمة المولوج إليهم، فقد رُوي عن ابن عمر- رضي الله عنهما- "أن أنَساً كان يتولج على النساء وهن مكشّفات الرؤوس"، أي: يدخل عليهن، يريد أنه لصغره لا يحتجبن منه"251). وهذا مناسب لطبيعة الطفولة من حيث

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير