ومن السنة: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاع تمر» رواه البخاري (2148)، ومسلم (1524) واللفظ للبخاري.
وقد حكى الإجماع على ذلك ابن المنذر في الإقناع (1/ 262)، وابن حزم في " مراتب الإجماع " (ص 100).
كلام أهل العلم على المسألة:
قال ابن قدامة في المغني (4/ 238): أنه متى علم بالمبيع عيبا , لم يكن عالما به , فله الخيار بين الإمساك والفسخ , سواء كان البائع علم العيب وكتمه , أو لم يعلم. لا نعلم بين أهل العلم في هذا خلافا. وإثبات النبي صلى الله عليه وسلم الخيار بالتصرية تنبيه على ثبوته بالعيب. ولأن مطلق العقد يقتضي السلامة من العيب ; بدليل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه اشترى مملوكا فكتب: " هذا ما اشترى محمد بن عبد الله من العداء بن خالد , اشترى منه عبدا , أو أمة , لا داء به , ولا غائلة , بيع المسلم المسلم ". فثبت أن بيع المسلم اقتضى السلامة. ولأن الأصل السلامة , والعيب حادث أو مخالف للظاهر , فعند الإطلاق يحمل عليها , فمتى فاتت فات بعض مقتضى العقد , فلم يلزمه أخذه بالعوض , وكان له الرد , وأخذ الثمن كاملا.ا. هـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (28/ 104): ولهذا أثبت الشارع الخيار لمن لم يعلم بالعيب أو التدليس؛ فإن الأصل في البيع الصحة وأن يكون الباطن كالظاهر. فإذا اشترى على ذلك فما عرف رضاه إلا بذلك فإذاتبين أن في السلعة غشا أو عيبا فهو كما لو وصفها بصفة وتبينت بخلافها فقد يرضى وقد لا يرضى فإن رضي وإلا فسخ البيع. وفى الصحيحين عن حكيم بن حزام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما».ا. هـ.
فعبارة: " البضاعة المباعة لا ترد " مخالفة لخيار العيب، بل للمشتري أن يعيد السلعة ويأخذ رأس ماله كاملا.
قال ابن قدامة في المغني (4/ 239): أنه لا يخلو المبيع من أن يكون بحاله , فإنه يرده ويأخذ رأس ماله.ا. هـ.
مسألة:
لو فرض أن المشتري أراد أن يمسك البضاعة المعيبة عنده، ولا يريد ردها، أو إذا تعذر ردها فما هو الحكم حين إذا؟
اختلف أهل العلم في ذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول: ذهب الجمهور، وهو مذهب الحنفية، والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد أنه إذا اختار الإمساك، فلا أرش، إذا لا أرش لممسك له الرد. أما إذا تعذر الرد فإنه يثبت الأرش في حق المشتري.
وقد ذهب إلى هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية فقال في الاختيارات (ص 186): وإذا اشترى شيئا فظهر به عيب فله أرشه إن تعذر رده، وإلا فلا، وهو رواية عن أحمد، ومذهب أبي حنيفة والشافعي، وكذا يقال في نظائره، كالصفقة إذا تفرقت.ا. هـ.
القول الثاني: مذهب المالكية وفيه تفصيل:
1 – إذا كان العيب قليلا جدا فلا حكم له.
2 – إذا كان العيب عيب قيمة، وهو اليسير الذي ينقص من الثمن، ففيه يحط عن المشتري من الثمن بقدر نقص العيب، كالخرق في الثوب.
3 – إذا كان العيب عيب رد، وهو الفاحش، فالمشتري بالخيار بين أن يرده على بائعه، أو يمسكه ولا أرش له.
القول الثالث: مذهب الحنابلة أن له الخيار بين الرد، والإمساك مع الأرش.
قال ابن قدامة في المغني (4/ 240): أنه إذا اختار المشتري إمساك المعيب , وأخذ الأرش , فله ذلك. وهذا قول إسحاق. وقال أبو حنيفة , والشافعي: ليس له إلا الإمساك , أو الرد , وليس له أرش , إلا أن يتعذر رد المبيع , لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لمشتري المصراة الخيار بين الإمساك من غير أرش , أو الرد. ولأنه يملك الرد , فلم يملك أخذ جزء من الثمن , كالذي له الخيار.
ولنا , أنه ظهر على عيب لم يعلم به , فكان له الأرش , كما لو تعيب عنده. ولأنه فات عليه جزء من المبيع , فكانت له المطالبة بعوضه.ا. هـ.
وقال شيخ الإسلام في " الاختيارات (ص 186): والمذهب يخير المشتري بين الرد، وأخذ الثمن، وإمساكه وأخذ الأرش.ا. هـ.
والأرش هو الفرق ما بين قيمة الصحة والعيب، فتقوم صحيحة ثم معيبة، وتؤخذ النسبة التي ما بين قيمته صحيحا، وقيمته معيبا.
¥