ـ[عبد الرحمن بن طلاع المخلف]ــــــــ[16 - 06 - 04, 12:04 ص]ـ
الأخ الفاضل أبو عبد الله النجدي حفظك الله من كل شر و علمك ما لم تعلم و نفعك بما علمت.
أخي قولك (والجمود على الظواهر مما يزري بالأماثل).
و قولك (وأهل الحسبة والمجاهدون ورجال الأمن وغيرهم مخصوصون بأحكام دون غيرهم، لما في عملهم من استصلاح الخلق. فإجراء النصوص الخاصة عليهم إجراءً ظاهرياً (أتوماتيكياً) ضربٌ من الجمود).
تكريرك لهذه العبارة يوحي بعدم فهمك لمعنى الجمود على الألفاظ أو أنك لم تفهم حقيقة مسألتنا.
فالجمود على الألفاظ هو التمسك بظاهر اللفظ دون النظر إلى حقيقة المراد من هذا اللفظ و هذا الجمود هو من أعظم ما أخذ على مذهب الظاهرية و خاصة ابن حزم رحمه الله.
لذا لما ترك الظاهرية النظر إلى المعاني التي سيقت لها النصوص التزموا نفي القياس و هو ما يسميه بعض الأصوليين تخريج المناط.
ثم التزم بعضهم نفي قياس الأولى أي مفهوم الموافقة و مفهوم المخالفة لما رأى أن ترك النظر إلى المعاني أعم من مجرد نفي القياس بل يدخل فيه كل معنى لا يدل الظاهر عليه.
فخالف بذلك صريح العقول و مما أخذ عليه قوله في حديث النبي صلى الله عليه و سلم (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه).
فقال لو أن أحدهم بال في إناء ثم سكبه في الماء الدائم لجاز له الإغتسال بهذا الماء لأنه لم يبل مباشرة و إنما عن طريق الإناء فلا يدخل في لفظ الحديث.
و في قوله تعالى (و لا تقل لهما أف و لا تنهرهما .. ) فقال الضرب لا يدخل في هذه الآية لأن الله تعالى أمر بأن لا يقول لهما أف و إن كان الضرب محرم بأدلة أخرى.
هذا هو الجمود على الظواهر الذي تكلم عليه أهل العلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه عام الخندق: (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدركتهم صلاة العصر في الطريق فقال بعضهم: لا نصلي إلا في بني قريظة وقال بعضهم: لم يرد منا هذا، فصلوا في الطريق. فلم يعب واحدة من الطائفتين) فالأولون تمسكوا بعموم الخطاب فجعلوا صورة الفوات داخلة في العموم والآخرون كان معهم من الدليل ما يوجب خروج هذه الصورة عن العموم فإن المقصود المبادرة إلى القوم.
وهي مسألة اختلف فيها الفقهاء اختلافا مشهورا: هل يخص العموم بالقياس؟ ومع هذا فالذين صلوا في الطريق كانوا أصوب).
قال ابن كثير رحمه الله (وَكَمَا قَالَ بَعْدهَا يَوْم بَنِي قُرَيْظَة حِين جَهَّزَ إِلَيْهِمْ الْجَيْش لَا يُصَلِّيَن أَحَد مِنْكُمْ الْعَصْر إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَة فَأَدْرَكَتْهُمْ الصَّلَاة فِي أَثْنَاء الطَّرِيق فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ: لَمْ يُرِدْ مِنَّا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا تَعْجِيل الْمَسِير وَلَمْ يُرِدْ مِنَّا تَأَخُّر الصَّلَاة عَنْ وَقْتهَا فَصَلُّوا الصَّلَاة لِوَقْتِهَا فِي الطَّرِيق وَأَخَّرَ آخَرُونَ مِنْهُمْ صَلَاة الْعَصْر فَصَلَّوْهَا فِي بَنِي قُرَيْظَة بَعْد الْغُرُوب وَلَمْ يُعَنِّف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذَا فِي كِتَاب السِّيرَة وَبَيَّنَّا أَنَّ الَّذِينَ صَلَّوْا الْعَصْر لِوَقْتِهَا أَقْرَب إِلَى إِصَابَة الْحَقّ فِي نَفْس الْأَمْر وَإِنْ كَانَ الْآخَرُونَ مَعْذُورِينَ أَيْضًا , وَالْحُجَّة هَهُنَا فِي عُذْرهمْ فِي تَأْخِير الصَّلَاة لِأَجْلِ الْجِهَاد وَالْمُبَادَرَة إِلَى حِصَار النَّاكِثِينَ لِلْعَهْدِ مِنْ الطَّائِفَة الْمَلْعُونَة الْيَهُود.)
و أما مسألتنا و هي ترك أهل الحسبة لصلاة الجماعة بدعوى الحسبه فهي من ترتيب الأدلة لا من باب الجمود على الظواهر و هذا الضرب واقع في زمن النبي صلى الله عليه و سلم كما في الحديث الذي علق عليه شيخ الإسلام بن تيمية و ابن كثير رحمهما الله فكل أخذ من الدليل بطرف فمن تمسك بظاهر اللفظ فهم أن البين صلى الله عليه و سلم أرادهم ألا يصلوا العصر إلا في بني قريظة و لو صلوا قبلها لما جاز لهم ذلك.
¥