"الأحكام نوعان: نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها. لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة، ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك، فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه.
والنوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زمانا ومكانا وحالا، كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها. فإن الشارع ينوّع فيها بحسب المصلحة، فشرع التعزير بالقتل لمدمن الخمر في المرة الرابعة.
وعزم على التعزير بتحريق البيوت على المتخلف عن حضور الجماعة لولا ما منعه من تعدي العقوبة إلى غير من يستحقها من النساء والذرية.
وعزر بحرمان النصيب المستحق من السلب.
وأخبر عن تعزير مانع الزكاة بأخذ شطر ماله.
وعزر بالعقوبات المالية في عدة مواضع.
وعزر من مثَّل بعبده بإخراجه عنه وإعتاقه عليه.
وعزر بتضعيف الغرم على سارقٍ مالاً قُطع فيه، وكاتم الضالة.
وعزر بالهجر منع قربان النساء.
ولم يعرف أنه عزر بدرة، ولا حبس، ولا سوط، وإنما حبس في تهمة، ليتبين حال المتهم.
وكذلك أصحابه تنوعوا في التعزيرات بعده.
فكان عمر رضي الله عنه يحلق الرأس وينفي ويضرب، ويحرق حوانيت الخمارين والقرية التي تباع فيها الخمر، وحرق قصر سعد بالكوفة لما احتجب فيه عن الرعية.
وكان له رضي الله عنه في التعزير اجتهاد وافقه عليه الصحابة لكمال نصحه، ووفور علمه، وحسن اختياره للأمة، وحدوث أسباب اقتضت تعزيره لهم بما يردعهم، لم يكن مثلها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كانت، ولكن زاد الناس عليها وتتابعوا فيها.
فمن ذلك: أنهم لما زادوا في شرب الخمر وتتابعوا فيه، وكان قليلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، جعله عمر رضي الله عنه ثمانين ونفى فيه.
ومن ذلك: اتخاذه درة يضرب بها من يستحق الضرب.
ومن ذلك: اتخاذه دارا للسجن.
ومن ذلك: ضربه للنوائح حتى بدا شعرهن".
ثم قال ابن القيم:
"وهذا باب واسع اشتبه فيه على كثير من الناس الأحكام الثابتة اللازمة التي لا تتغير بالتعزيرات التابعة للمصالح وجودا وعدما".
ـ[أبو مروة]ــــــــ[06 - 07 - 04, 05:07 م]ـ
أستسمح هذا النص من كتابه القيم "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان".
ـ[نبيل الأثري]ــــــــ[07 - 07 - 04, 03:41 م]ـ
بارك الله فيكم وأثابكم الله تعالى ..
ـ[محمد رشيد]ــــــــ[07 - 07 - 04, 07:08 م]ـ
بارك الله تعالى في الأستاذ أبي مروة
و جزاكم الله تعالى خيرا على النقل
و بالفعل فرغم كوننا ـ الحنفية ـ نقول بنسخ هذا الحد، إلا أن قواعدنا تقتضي القتل أحيانا في مثل هذه الأمور، و لكنه منوط بالمصلحة فلا يحدد بالشرب في الرابعة أو الخامسة، ثم هو بمحل النظر لا يكون تعزيرا ثابتا
و القتل في هذه الحال يسمى عندنا (القتل سياسة)
إقرأ ما في التوقيع
و لكن لنتباحث كلام الشيخ شاكر تباحثا علميا
أولا // ما رأيكم بنفيه لهذا الإجماع ... و انتبهوا إلى موافقة ابن القيم لهذا النفي
ـ[أبو مروة]ــــــــ[07 - 07 - 04, 10:33 م]ـ
الراجح والله أعلم أن هناك إجماعا على النسخ لأن العديد من الأئمة حكوه، ولو جئت أنقل كلامهم لطال النقل، لكني مستعد. ولا يضر ذلك مخالفة الواحد أو الاثنين، لأن الإجماع منعقد في عصور ومتخلف في عصور بمخالفة البعض على الراجح.
النقاش ليس هنا، بل هو عن مستند الإجماع أولا؟ ثم هل هذا الإجماع يكفي للقول بالنسخ الأصولي المتأخر الذي يعني "إزالة حكم ثابت بالنص بخطاب شرعي متأخر"؟.
أم أن النسخ هنا هو بمعناه لدى الصحابة والسلف ممن بعدهم والذي يعني: "ترك ظاهر النص لمعارض راجح مما يبين أن المراد غير اللفظ، بل معنى آخر رجح بأمر خارج عن اللفظ". فيطلق بالتالي على المطلق نسخا، وعلى تخصيص العام بدليل متصل أو منفصل نسخا، وعلى بيان المجمل والمبهم نسخا، وعلى الرفع النهائي للحكم بدليل متأخر نسخا. فهذه الأمور كلها مشتركة في كل ما يرفع دلالة النص على معنى غير مقصود شرعا. (انظر مثلا إعلام الموقعين: 1/ 35).
الذي أرجحه أن معنى النسخ هنا هو المعنى الأول، ثم أتى المتأخرون فطردوه للمعنى الثاني. دليله أن الصحابة حكموا بعقوبة القتل في جرائم تعزيرا، مثل إتيان البهيمة.
وقد درج العماء الذين كتبوا في النسخ على إدراج أمور كثيرة في السنة من باب النسخ "المتأخر" وهو ليس كذلك، بل هو تصرف نبوي بالإمامة زالت دواعيه فزال، فخالوه نسخا. وقد جمعت من هذا الصنف عددا محترما من الأمثلة. وبعضها ورد في كلام ابن القيم الذي أوردته من إغاثة اللهفان.
إن المسألة أصولية وحديثية دقيقة أرجو التنبه لها.
الأخ محمد رشيد بارك الله فيك، أريد أمثلة مما اعتبره الحنفية من "القتل سياسة" ومظانها فأنا أواصل البحث في الموضوع، وجزاك الله خير الجزاء.
ـ[محمد رشيد]ــــــــ[07 - 07 - 04, 11:08 م]ـ
هي قاعدة عامة أستاذ أبا مروة
و لكن من أمثلة ما ذكره ابن عابدين في حاشيته:
1 ـ المبتدع يقتل بإطلاق إن كفرته بدعته، و إن لم تكفره بدعته يقتل الرؤوس إن خشي انتشار البدعة منهم
2 ـ الخنّاق
3 ـ الساحر إن أخذ قبل التوبة فتاب بعدها
4 ـ اللوطي
5 ـ الزاني إن لم يرتدع إلا بذلك
6 ـ السارق، إن لم يرتدع السارقون إلا بذلك
7 ـ أعوان الظلمة في وقت الفترة لأنهم إن تمكنوا لعادوا ـ كما ذكر ذلك النسفي و نقله عنه ابن عابدين في حاشيته ـ
8 ـ الزنديق إن أخذ قبل التوبة فتاب بعدها
هذا فقط ما وجدته منصوصا عندنا، و تجده في حاشية ابن عابدين في الجزء الرابع باب التعزير ـ طبعة الحلبي المصرية الواقعة في ثمانية أجزاء كبار ـ
و تجدها أيضا في باب الردة في الساحر و الزنديق إن أخذا قبل التوبة ثم تابا أنه لا تقبل توبتهما بل يقتلون
و لكنها أخي (قاعدة عامة) منصوص عليها عندنا // [كل مفسد لا ينزجر فساده إلا بالقتل قتل]
و إن لم تكن تملك حاشية ابن عابدين فقد نقل جزءا كبيرا منها السيد علوي بن أحمد السقاف الشافعي في رسالته الرائعة (الفوائد المكية لطلبة الشافعية) و هي مطبوعة ضمن سبع كتب مهمة، تجدها لدى مطبعة مصطفى الحلبي بالأزهر، و سعرها رخيص جدا، 6 أو 7 جنيهات
¥