ولهذا كان جميع الصحابة يعلمون السلوك بدلالة الكتاب والسنة والتبليغ عن الرسول لا يحتاجون فى ذلك الى فقهاء الصحابة ولم يحصل بين الصحابة نزاع فى ذلك كما تنازعوا فى بعض مسائل الفقه التى خفيت معرفتها على أكثر الصحابة وكانوا يتكلمون فى الفتيا والاحكام طائفة منهم يستفتون فى ذلك
وأما ما يفعله من يريد التقرب الى الله من واجب ومستحب فكلهم يأخذه عن الكتاب والسنة فان القرآن والحديث مملوء من هذا وإن تكلم أحدهم فى ذلك بكلام لم يسنده هو يكون هو أو معناه مسندا عن الله ورسوله وقد ينطق أحدهم بالكلمة من الحكمة فتجدها مأثورة عن النبى صلى الله عليه وسلم وهذا كما قيل فى تفسير قوله (نور على نور) ولكن كثير من أهل العبادة والزهادة أعرض عن طلب العلم النبوى الذى يعرف به طريق الله ورسوله فإحتاج لذلك الى تقليد شيخ وفى السلوك مسائل تنازع فيها الشيوخ لكن يوجد فى الكتاب والسنة من النصوص الدالة على الصواب فى ذلك ما يفهمه غالب السالكين فمسائل السلوك من جنس مسائل العقائد كلها منصوصة فى الكتاب والسنة وانما إختلف أهل الكلام لما أعرضوا عن الكتاب والسنة فلما دخلوا فى البدع وقع الاختلاف وهكذا طريق العبادة عامة ما يقع فيه من الاختلاف انما هو بسبب الاعراض عن الطريق المشروع فيقعون فى البدع فيقع فيهم الخلاف
وهكذا الفقه إنما وقع فيه الاختلاف لما خفى عليهم بيان صاحب الشرع ولكن هذا إنما يقع النزاع فى الدقيق منه وأما الجليل فلا يتنازعون فيه والصحابة أنفسهم تنازعوا فى بعض ذلك ولم يتنازعوا فى العقائد ولا فى الطريق الى الله التى يصير بها الرجل من أولياء الله الأبرار المقربين ولهذا كان عامة المشايخ اذا احتاجوا فى مسائل الشرع مثل مسائل النكاح والفرائض والطهارة وسجود السهو ونحو ذلك قلدوا الفقهاء لصعوبة أخذ ذلك عليهم من النصوص وأما مسائل التوكل والاخلاص والزهد ونحو ذلك فهم يجتهدون فيها فمن كان منهم متبعا للرسول أصاب ومن خالفه أخطأ
ولا ريب أن البدع كثرت فى باب العبادة والارادة اعظم مما كثرت فى باب الاعتقاد والقول ... ).
ـ[زياد العضيلة]ــــــــ[03 - 08 - 04, 04:27 ص]ـ
الاخ المبارك: عبدالرحمن بن مطلاع وفقه الله تعالى.
الناس في العلم درجات وليس كلهم قادر على معرفة حكم الله تعالى فيما يأتي وفيما يذر من مجرد النظر الى النصوص الشرعية بل فيهم القادر (المجتهد) وفيهم من هو دون ذلك.
وهناك مبالغة من بعض المتأخرين، فهو يطلب من الناس جميعا ان يكونو من أهل الاجتهاد!! وهو الذي أثمر الكثير من الفتاوى الشاذة.
وهذا النظر قاصر وهو نقيض قول المقلدة في ترك الدليل، و كلاهما طرفي نقيض.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: (وكذلك المسائل الفروعية: من غالية المتكلمة والمتفقهه من يوجب النظر ولاجتهاد فيها على كل أحد، حتى على العامة! وهذا ضعيف، لانه لو كان طلب علمها واجبا على الاعيان فانما يجب مع القدرة، والقدرة على معرفتها من الادلة المفصلة تتعذر او تتعسر على أكثر العامة).
قال ابن القيم رحمه في اعلام الموقعين عن رب العالمين: (لأن المذهب إنما يكون لمن له نوع نظر وأستدلال، ويكون بصيرا بالمذهب على حسبه، أو لمن قرأ كتبا في فروع ذلك المذهب وعرف فتاوى أمامه وأقواله).
ثم ذكرتم أخي الكريم أنني قلتُ: (على أن الأصل هو التقليد حتى يتبين لنا خلاف ذلك).
فأين حفظك الله ترأني قد قلت هذا؟
فأن الذي لامرية فيه أن الاصل التمسك بالكتاب والسنة ولا عصمة الا لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ولا متبوع قوله وفعله وتقريره الا أهو.
ولكن من عجز عن معرفة حكم الله وحكم رسوله في مسألة وكان في درج التفقه وكان علمه قاصر عن معرفة الحكم من الكتاب والسنة (وجب) عليه أن يلزم قول المذهب او الامام فيما لايدرك دليله.
وقد قلت سابقا ما نصه: (والكلام انما هو على المقلد العاجز عن الاستقلال بالاستدلال والنظر وهم تبعة المذاهب فهذا يجب عليه التزام مذهبه الذي يري انه الاصوب وان احكامه هي الاقرب).
و دليل الوجوب ان الله تعالى قد أمرنا بفعل المأمور وترك المحظور وقد يقصر علم (المقلد) عن معرفة المشتبه من صور المأمور والمحظور، وقد يلتبس عليه كثير من الاحكام.
وهو مأمور بمعرفة حكم الله تعالى فيها قبل الاقدام عليها، فالاجتهاد في حقه (هو غاية وسعه) وهو التزام المذهب. كما ان الاجتهاد الواجب في حق العامي استفتاء العالم.
ولذا: (فأنه لايخلو مكلف من جنس الاجتهاد حتى المقلدة، ولايخلو من جنس التقليد حتى المجتهدين).
قال ابن تيمية رحمه الله: (فأما القادر على الاجتهاد فهل يجوز له التقليد؟ هذا فيه خلاف: والصحيح أنه يجوز حيث عجز عن الاجتهاد: إما لتكافؤ الادلة، وإما لضيق الوقت عن الاجتهاد، وإما لعدم ظهور الدليل، فأنه حيث عجز سقط عنه وجوب ما عجز عنه وأنتقل الى بدله وهو التقليد، كما لو عجز عن الطهارة بالماء).
¥