منه ما استطعتم أخرجاه في الصحيحين
فإذا كان كثير مما تنازعت فيه الأمة من هذه المسائل الدقيقة قد يكون عند كثير من الناس مشتبها لا يقدر فيه على دليل يفيد اليقين لا شرعي ولا غيره لم يجب على مثل هذا في ذلك ما لا يقدر عليه وليس عليه أن يترك ما يقدر عليه من اعتقاد قول غالب على ظنه لعجزه عن تمام اليقين بل ذلك هو الذي يقدر عليه لا سيما إذا كان مطابقا للحق فالإعتقاد المطابق للحق ينفع صاحبه ويثاب عليه ويسقط به الفرض إذا لم يقدر على أكثر منه).
و مسألتنا من هذا النوع من لم يقدر على اليقين اعتقد ذلك بغلبة الظن و لا يجوز له اعتقادها بالشك لأن الشك عند تساوي الطرفين و لا يجوز ترجيح أي طرف منهما إلا بمرجح و إلا كان ترجيحا بالهوى و التشهي و هذا لا يجوز بإجماع أهل العلم المعتد بعلمهم.
هنا مسالة متفرعة عن هذه المسألة و هي حكم من غلب على ظنه رجحان مسألة معينة من المسائل المختلف فيها ثم أظهر أو أفتى بخلاف ما ترجح عنده من غير تغير رأيه في هذه المسألة.
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله (وليس المراد بالشرع اللازم لجميع الخلق (حكم الحاكم (ولو كان الحاكم أفضل أهل زمانه بل حكم الحاكم العالم العادل يلزم قوما معينين تحاكموا إليه فى قضية معينة لا يلزم جميع الخلق ولا يجب على عالم من علماء المسلمين أن يقلد حاكما لا فى قليل ولا فى كثير إذا كان قد عرف ما أمر الله به ورسوله بل لا يجب على آحاد العامة تقليد الحاكم فى شيء بل له أن يستفتى من يجوز له إستفتاؤه وإن لم يكن حاكما ومتى ترك العالم ما علمه من كتاب الله وسنة رسوله واتبع حكم الحاكم المخالف لحكم الله ورسوله كان مرتدا كافرا يستحق العقوبة فى الدنيا والآخرة ... ) و مناط مسألتنا هو عينه مناط المسالة التي يتكلم عنها شيخ الإسلام فهو رحمه الله يتكلم عن حاكم حكم بمسألة معينة و هذه المسألة مختلف فيها و هناك غير هذا الحاكم يخالفه في هذه المسالة و ترجح عنده خلاف ترجيح هذا الحاكم فلا يجوز له عندها مخالفة ما ترجح عنده بحجة أن الحاكم حكم بهذه المسألة فيجب التمسك بحكمه و ترك ما ترجح عند العالم.
و قال رحمه الله بعد الكلام الذي نقلناه (وهذا إذا كان الحاكم قد حكم فى مسألة إجتهادية قد تنازع فيها الصحابة والتابعون فحكم الحاكم بقول بعضهم وعند بعضهم سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تخالف ما حكم به فعلى هذا أن يتبع ما علم من سنة رسول الله ويأمر بذلك ويفتى به ويدعو إليه ولا يقلد الحاكم هذا كله باتفاق المسلمين
وإن ترك المسلم عالما كان أو غير عالم ما علم من أمر الله ورسوله لقول غيره كان مستحقا للعذاب قال تعالى فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم وإن كان ذلك الحاكم قد خفى عليه هذا النص مثل كثير من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم تكلموا فى مسائل بإجتهادهم وكان فى ذلك سنة لرسول الله تخالف إجتهادهم فهم معذورون لكونهم إجتهدوا و لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ولكن من علم سنة رسول الله لم يجز له أن يعدل عن السنة إلى غيرها قال تعالى وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصى الله ورسوله فقد ضل مبينا) .... ).
لذا يظهر لنا أن هذه المسألة متفق عليها بين المسلمين كما قال شيخ الإسلام رحمه الله في معرض كلامه (و هذا كله باتفاق المسلمين) لذا لا يجوز لمن ترجح عنده الحكم في مسألة معينة لا يجوز له ترك ما ترجح عنده لقول من قوله ليس بحجة و وجب عليه التمسك بما ترجح عنده حتى يتبين له خلافه و هذا يدخل فيه العالم و غيره كما قال الشيخ (وإن ترك المسلم عالما كان أو غير عالم ما علم من أمر الله ورسوله لقول غيره كان مستحقا للعذاب ... ).
بل من تصور هذه المسألة تصورا جيدا علم علم اليقين أن المسلم الدين لا يمكن له أن يترك ما ترجح عنده لقول آخر لم يترجح عنده هذا لا يكون إلا من أهل الإهواء.
و هنا فرق مهم يجب التنبيه عليه و هو الفرق بين العمل بخلاف ما ترجح مع اعتقاد الراجح في المسألة على وجهه كما في مسألتنا هذه أذا اعتقد أنه يجب عليه الإتيان بركعة و لكن عمل بمذهب الأحناف بعدم الإتيان بالركعة فهذا لا يكفر لإن اعتقاده صحيح و لكن خالف عمله اعتقاده و أما إذا اعتقد أن قول الأحناف اتباعا لهواه مع أنه يعلم رجحان قول الشافعية على قول الأحناف هنا يكفر لأنه اعتقد ما لا يجوز له اعتقاده من الباطل.
و الله أعلم.
ـ[أبو بكر بن عبدالوهاب]ــــــــ[04 - 08 - 04, 07:55 ص]ـ
الشيخ الفاضل عبد الرحمن بن طلاع المخلف جزاك الله خيرا وأحسن إليك
أسأل الله أن يجعل ما كتبت في صحيفتك وقد أسعدتنا بمشاركتك
تصويب المشاركة السابقة:
يقول أحد المشايخ: لا بأس في هذا، فهو انتقل من ظنه إلى ظن غيره وهو غير مجتهد ـ بناء على أن كثيرا من مسائل الفقه ظنون وأنه مقلد ـ.
¥