تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

1. أن السلام بالنسبة للمسلم هو التحية المعروفة بين جميع الشعوب، ولا علاقة له بالتعظيم. وقد روي أن رسول الله قال: (تحية المسلم السلام). وكان هو يسلّم على اليهود، ولم يمتنع إلاّ عندما حوّروا هم كلمة السلام إلى السام. ومع ذلك كان يرد عليهم بكلمة (وعليكم)، وهذا الرد لا يمكن أن يكون تعظيماً لهم. والله تعالى يقول:} وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا {والتعارف لا يكون إلاّ بنوع من التحية. والمسلم لا يحيد عن تحيّته الخاصة (السلام) إلاّ لسبب وهو وجود الحرب، لأن السلام تأمين، وهو لا يكون مع الحرب. ويجمع الفقهاء على وجوب رد تحية الكافر بأحسن منها أو مثلها استناداً للآية الكريمة {وإذا حُيّيتم بتحيّة فحيّوا بأحسنَ منها أو رُدّوها .. } [سورة النساء، الآية 86].

2. السلام تحية. هذا صحيح. ولكن القول أن الكافر ليس من أهلها لا يمكن أن يكون مقبولاً، لأنه يناقض الآية السابقة {وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا .. } ويناقض فعل الرسول الثابت أنه كان يسلّم على غير المسلمين ويردّ عليهم السلام، ويناقض فعل الصحابة والسلف وسيأتي بيان ذلك.

3. الابتداء بالسلام ليس إكراماً للمسلَّم عليه، بل هو إكرام للمسلِّم نفسه، لقول الرسول: (إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام) [رواه أبو داود والترمذي وحسّنه].

أما أنه بسط وإيناس لهم، فليس هذا مستغرباً على المسلم، إنه داعية إلى الله. ومن واجب الداعية أن يتلطّف في دعوته ويرفق بالناس، ويؤنسهم ويتباسط معهم، وإلاّ فما هي الحكمة والموعظة الحسنة التي أمر الداعية بها؟

وليس ضرورياً أن يكون السلام إظهار ودّ. بل قد يكون مجرّد تحية للتعارف. على أن المودّة المنهي عنها هي مودّة الكافرين المحاربين، وليس كل كافر. فالآية الكريمة تنهى عن مودة من يحادّ الله {لا تجدُ قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله .. } [سورة المجادلة]. وهؤلاء جمعوا مع الكفر المحاربة. والآية الثانية التي نهت عن مودّة الكافر قوله تعالى: { .. لا تتخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء، تلقون إليهم بالمودة، وقد كفروا بما جاءكم من الحق، يخرجون الرسول وإيّاكم .. } فهؤلاء أيضاً قد جمعوا بين الكفر والمحاربة.

أما مجرّد الكفر، فقد يوجد معه سبب للمودّة، كما في حال الزوجة الكتابية، فقد يودّها زوجها ولو كانت كتابية، والله تعالى يقول: {وجعل بينكم مودّة ورحمة} فإذا وجدت المودّة من الزوج المسلم لزوجته الكتابية لا ينهى عن ذلك، على أن ينتبه المسلم أن المودّة المشروعة هنا هي بسبب رباط الزوجية وما إذا كانت تقوم بحقها، وليس لكفرها.

4. أما القول بأنه لا يجوز للمسلم فعل ما يستدعي مودّة الكافر ومحبّته اعتماداً على أن (إفشاء السلام يؤدي إلى التحابب) فهو منقوض بقول رسول الله: (تهادوا .. تحابّوا .. ) فالتهادي أيضاً يؤدي إلى التحابب.

ومن الثابت أن رسول الله (أهدى إلى أبي سفيان تمر عجوة حين كان بمكة محارباً، واستهداه أدماً) [ذكر ذلك السرخسي في المبسوط 10/ 92]. واتفق الأئمة الأربعة على صحة الهبة للحربي وهي هدية، كما أجاز جمهور الفقهاء قبول الهدية من الكفّار الحربيين لأن النبي قبل هدية المقوقس عظيم القبط، وأهدى له كسرى وقيصر فقبل منهما، وأهدت له الملوك فقبل منها كما روى أحمد والترمذي.

فتبين أن التهادي مع الكفار ليس ممنوعاً، وإن أدّى إلى شيء من الحب، لأن الحب الممنوع هو الذي يتعلّق بالكفر، أما إذا كان للحب سبب آخر فليس ممنوعاً. كحب الرجل زوجته الكتابية، وحب المسلم لأقربائه الكفّار. والله تعالى لم يطلب من المسلم الامتناع عن الحب البشري وهو حب الآباء والأولاد والأزواج والعشيرة والأموال، بل طلب أن يكون حب الله ورسوله هو الأقوى عند التعارض {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربّصوا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين} [سورة التوبة، الآية 24]. ومن المعروف أن الآباء والأبناء والإخوان الزوجات والعشيرة يمكن أن يكونوا كفاراً. وأن الأموال والتجارة والمساكن يمكن أن تكون في بلاد غير إسلامية فيحب المسلم هذه البلاد لوجود أمواله وتجارته ومساكنه فيها. ولكن عند التعارض يجب أن يتغلّب حبّ الله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير