لكن ما ذكره موراني هنا يفتقر إلى الدقة والتحديد، فليست الواضحة شرحا لسماعات ابن حبيب ولا تعليقات عليها، بل هي إخراج لتلك السماعات مصنفة مبوبة مدعومة بالاستشهاد الأثري على هيئة ما فعله أصحاب السماعات بسماعاتهم لما صنفوها، وإذا نحن اعتمدنا على نسختها المخطوطة بالقرويين، فإننا سنقف على ما أكده شاخت بعبارته الإستشراقية: أن الواضحة «عرض لمذهب كبير أكثر استمرارية من المدونة، ولكنه دائما يركز على النقل للحديث» < المرجع السابق 54 >.
ويمكن أن نلاحظ على الواضحة الخواص المنهجية التالية:
- أنها سماعات «وضحت» من طرف صاحبها، إلا أنه لم يستوعب كل سماعاته فيها، ولهذا حاول بعض تلامذته إكمال توضيح ما لم يوضح منها، لكن ذلك تعذر عليه: «قيل للمغامي: لو أوضحت هذا السماع في واضحة ابن حبيب يريد (الكلام هنا لعياض) ما لم يوضحه ابن حبيب من كتابه، فقال المغامي: حاولت ذلك فوجدت نفسي كمرقع الخز باللبود» المدارك 4/ 127.
- أنها تضمنت آراء ابن حبيب الفقهية، واختياراته وتأويلا ته واستشهادا ته ونقول عن فقهاء الأمصار.
- أن الآثار التي ضمنها ابن حبيب واضحته كثيرة إلا أنها مرتبطة بالأحكام والآراء الفقهية، مما يؤكد أن إيراد ابن حبيب لها هو في مقام التدليل وهو الملحظ الذي ذكره القابسي حول الواضحة بعد أن سرد اتجاهات التصنيف عند المتقدمين إذ قال: «قصد (أي ابن حبيب) إلى بناء المذهب على معان تأدت إليه، وربما قنع بنص الروايات على ما فيها» المدارك 4/ 169.
ولهذا السبب فإن العلماء المالكية اعتبروا الواضحة اعتبارا خاصا، وفضلوها من جهة استقلال صاحبها الفكري والمنهجي وسعة دائرته في العلم، واختياراته الكثيرة التي نزع فيها إلى الصواب كما قيل، والتي ربما خالف فيها المذهب أو انتقد بعض أقواله: «قال العتبي وذكر الواضحة: رحم الله عبد الملك ما أعلم أحدا ألف على مذهب أهل المدينة تأليفه ولا لطالب أنفع من كتبه ولا أحسن من اختياره» المدارك 4/ 126. ... وقال عنها ابن حزم (ت456): "والمالكيون لا تمانع بينهم في فضلها واستحسانهم إياها" رسالة في فضل الأندلس 2/ 181.
وكانت الواضحة كثيرة التداول في مجالس الدرس، وكان عليها قيمون مدرسون كابن فَحْلون وفضل بن سلمة الجهني (ت319) ويوسف بن يحيى المَغَامِي (ت282)، الذي انفرد بروايتها، وأخذها عنه عدد من الأندلسيين منهم: زكريا بن يحيى القبري " روى الواضحة عن المغامي" أخبار الفقهاء والمحدثين بالأندلس 100، ومحمد بن فُطَيْس، الذي انفرد "من بين أصحابه الأربعة بالروايات عن يوسف بن يحيى المغامي"المرجع السابق 154، وعلي بن حسن المري البجاني أبو الحسن (242 - 335)، سمع من "أبي العلاء بن العلاء وقرأ عليه كتب ابن حبيب عن المغامي، ثم روى بعد ذلك عن المغامي كثيرا من كتب ابن حبيب" المرجع السابق 287، وقاسم بن تمام الأَلْبِيري (ت318)، "روى الواضحة عن المغامي عن عبد الملك بن حبيب" المرجع السابق 311، وغيرهم.
ومن الأعمال التي اهتمت بالواضحة اختصار فضل بن سلمة الجهني الذي لم تنازع مكانته بين المتقدمين في الاهتمام المتميز بالكتب الأمهات الكبرى للمذهب إقراء واختصارا وشرحا واستدراكا، وقد انتهج في اختصاره للواضحة أسلوبا نقديا، وتعقب على ابن حبيب كثيرا من آرائه ولذلك اعتبر من الكتب الجيدة في المذهب قال عياض: «وله مختصر الواضحة زاد فيه من رأيه وتعقب على ابن حبيب كثيرا من قوله، وهو من أحسن كتب المالكيين» المدارك 5/ 222.
ومستوى هذا الاختصار يعبر عنه ما نقله أبو الحسن علي بن محمد الغَافِقِي السَبْتي الشَآري (ت649) عن شيخه أبي ذر مصعب الخشني (ت604) قال: «المختصرات التي فضلت على الأمهات أربعة (وذكر منها) .. مختصر الواضحة لفضل بن سلمة» المزهر للسيوطي 1/ 87. وقد نقل من هذا المختصر شيوخ المذهب. مسائل ابن رشد 1/ 967.
كما اختصرها عبد الله بن محمد بن حَنِين أبو محمد القرطبي (265 – 318) قال ابن حارث: "واختصر واضحة ابن حبيب، فأحسن فيها" أخبار الفقهاء 288.
كما اختصر الواضحة البرادعي، ولا نعلم أية تفاصيل عن هذا الاختصار إلا أن فقهاء القيروان أفتوا بترك كتبه عدا التهذيب لأسباب دينية) اهـ كلام الدكتور العلمي.
¥