ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[04 - 03 - 06, 02:01 ص]ـ
تكلمت في المشاركة السابقة بشئ من الإيجاز على مواقف الناس من كلام الأقدمين واجتهاداتهم الفقهية .. وأرجأت الحديث عن سبب اهتمام العلماء بأقاويل الأئمة الكبار الفقهاء .. إلى هذه المشاركة ليكون كل ذلك طليعة لتعداد بعض شروح المدونة ومختصراتها. فأقول وبالله أستعين:
تتابع أهل العلم على الاهتمام بأقاويل الأئمة المفتين – تدوينا ورواية وشرحا .. - على تنوع مدارسهم؛ لمعانٍ كثيرة، منها:
- أنهم ينظرون للمفتي على أنه قائم مقام النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – في الأمة .. من حيث وراثته في علوم الشريعة .. فيقوم مقامه في إبلاغ الشريعة للناس، وتعليمها لهم، والإنذار بها، وبذل الوسع في استنباط الأحكام لأعمال المكلفين ... وقد عقد الإمام الشاطبي – رحمه الله – في كتابه الماتع < الموافقات > فصلا في كتاب الاجتهاد تكلم فيه على هذا المعنى .. سمى فيه المفتي (شارعا) من بعض الوجوه، وهي تسمية وقع الاعتراض عليها من طرف جماعة من أهل العلم لما تحمله من إيهام .. وشبهه العلامة القرافي – رحمه الله - في الإحكام بالترجمان عن الله تبارك وتعالى .. وذلك لبيانه عن الأحكام وكشفها لمن لم يفهمها .. وأما العلامة ابن القيم – رحمه الله - في أول الإعلام فعبر عنه بالموقع عن الله سبحانه .. كل ذلك لعظم منزلة المفتي وخطر مهمته في الشريعة الإسلامية .. فمن كانت هذه منزلته؛ كان حقا على أهل العلم الاعتناء باجتهاده .. وحفظ فتواه.
- ومن أسباب الاهتمام بأقوالهم: تقصي مناهجهم في استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية .. ومعرفة الأدلة الإجمالية التي اعتمدوها في اجتهادهم .. والكشف عن مآخذهم في الأحكام .. ومعرفة مداركهم عند تنازع الأنظار.
- ومن ذلك ما قاله العلامة ابن عاشور – رحمه الله - في كتابه < أليس الصبح بقريب > صـ 197: (وكان الباعث على كتابة ما استنبطوه حفظَ تلك الآراء ليحفظوا على الناس زمنهم من العود إلى عمل قد قضاه من قبلهم، مع احتياجه إلى صفات يَقِلُّ اجتماعها؛ من قوة الرأي، وفهم أساليب العرب، والشعور بمقاصد الشريعة، وصفة العدالة، والفراغ من الشغل بغير علم الشريعة).
- ومن ذلك تتبع أقوال المجتهدين وضبطها لمعرفة المتأخر من أقاويلهم، إذ قد نقلت عن الأئمة بعض الأقاويل المختلفة .. لتغير اجتهاداتهم، لأسباب يعرفها أهل العلم.
- ومن ذلك أنهم احتاجوا لتصحيح الروايات عن الأئمة .. وضبط ألفاظ رواياتهم .. لما احتاجوا للقياس عليها والتخريج عليها؛ بالتفريع على نص الإمام المفتي في صورة مشابهة .. ؛ عندما أعوزتهم النصوص عند نزول الحوادث .. وهذا مسلك أنكره بعض أهل العلم على الفقهاء، منهم العلامة المقري أبو عبد الله في قواعده.
وقد كان لطريقة دراسة الفقه بالاقتصار على الكتب المتضمنة للفروع الفقهية .. التي اجتهد فيها الأئمة المفتون .. وتم تدوينها في المصنفات المذهبية المختلفة .. مع ترك الرجوع إلى الكتاب والسنة .. دورٌ رئيس في انتشار التقليد في فترة مبكرة نسبيا .. وتحجر الأفكار .. وظهور التعصب المذهبي المقيت .. وهذا مبحث آخر يخرجنا تتبعه عما نحن بصدده.
قال العلامة ابن عاشور في كتابه السابق صـ 198، وهو يعدد أسباب التأخر في مجال علم الفقه: (السبب الأول: التعصب للمذاهب والعكوف على كلام إمام المذهب، واستنباط الحكم منه بالالتزام أو نحوه، فتلقَّى أتباع الأئمة مذاهبهم برهبة منعتهم النظر في الفقه، بل صار قصاراهم نقل الفروع، وجمع الغرائب المخالفة للقياس، ونقل الخلاف، وأبوا التراجع ورفع الخلاف الذي هو الغرض من التفقه، وعوضوا ذلك بالانتصار للمذاهب لا يلوون على غير ذلك، مع تصريح الأئمة بأن لا يوافقهم أحد إلا بعد عرض مذاهبهم على الأصول ..
السبب الثاني: إبطال النظر في الترجيح والتعليل، ورمي من يسلك ذلك بأنه يريد إحداث مذهب جديد، أو إحداث قول ثالث، كما هو اللقب المعروف في باب الإجماع من كتب الأصول، وقد كان علماء السلف مع تقليدهم لواحد من الأئمة؛ لا يرون تقليده مانعا من النظر والترجيح، فهذا سُحنون يخرج فروع المدونة مذيلة بأحاديث صحيحة تخالفها، لينبه على أنه يختار غيرها ... ).
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[04 - 03 - 06, 02:40 ص]ـ
¥