لمّا كانت المدونة بالمكانة المشار إليها سابقا عند المالكية؛ فقد تتابع اهتمامهم بها رواية و شرحا واختصارا ... ومناظرة، منذ أواسط القرن الثالث وحتى زمن متأخر نسبيا، إلا أن جل أعمالهم وأهمها جاءت في القرن الرابع والخامس والسادس، فهذه القرون تعد بحق العصر الذهبي بالنسبة للجهود العلمية حول المدونة السحنونية.
قال العلامة ابن خلدون – رحمه الله – في المقدمة 450: ( .. ولم تزل علماء المذهب يتعاهدون هذه الأمهات بالشرح والإيضاح والجمع، فكتب أهل أفريقية على المدونة ما شاء الله أن يكتبوا مثل: ابن يونس، واللخمي، وابن محرز التونسي، وابن بشير، وأمثالهم ... ).
- فأول اسم حفظته لنا كُتب التراجم؛ شَرحَ المدونة شرحا جزئيا: محمد بن إبراهيم بن عبدوس < تـ 260 > صاحب كتاب [المجموعة] المتقدم ذكره، قال في المدارك 4/ 225: ( .. وله أيضا أربعة أجزاء في شرح مسائل من المدونة، ذكرناها). لعله يعني ما جاء في قوله 4/ 223: (وله كتب فسّر فيها أصولا من العلم، كتفسير المرابحة، وتفسير المواضعة، وتفسير كتاب الشفعة، وكتاب الدور).
- ومن شروحها المتقدمة: < المنتخب > لمحمد بن يحيي بن لبابة أبو عبد الله < تـ 336 >، قال العلامة ابن حزم في رسالته [فضل الأندلس .. ] 2/ 181: (كتاب المنتخب الذي ألفه محمد بن يحيى بن عمر بن لبابة، وما رأيت لمالكي قط كتابا أنبل منه في جمع روايات المذهب، وتأليفها وشرح مستغلقها وتفريع وجوهها).
- ومن شروحها العراقية المفقودة اليوم؛ شرح أبي القاسم عبيد الله بن الحسن ابن الجَلَّاب البصري، صاحب كتاب [التفريع] المختصر المشهور ... المتوفى فيما ذكره القاضي عياض 7/ 76 سنة 398هـ.
ولم أر أحدا من مترجميه القدماء نسب له شرحا للمدونة، وإنما ذكر هذا سزكين في [تاريخ التراث] 2/ 139 وأشار لوجود أوراق منه بالمغرب، فالله أعلم بذلك.
- ومن الشروح العراقية؛ شرح الإمام القاضي عبد الوهاب بن نصر البغدادي أبو محمد < تـ 421 >، قال القاضي عياض في المدارك 7/ 222 وهو يعدد مؤلفات أبي محمد: ( .. وكتاب شرح المدونة لم يتم). ومن مؤلفات أبي محمد – فيما ذكره عياض – [الممهد] في شرح مختصر المدونة لابن أبي زيد القيرواني، صنع منه نحو النصف، أشار إليه – رحمه الله – في مقدمة كتابه [المعونة] 1/ 115 فقال: ( ... أما بعد .. فقد ذكرتنا وقوفك على شرحنا كتاب الرسالة .. وعلى الكتاب المترجم ب [الممهد] وما حواه من المسائل والتفريعات، واختلاف الوجوه والروايات، وذكرت بعد حفظ ذلك على الشادي، وتعذر ضبطه على المبتدي، وسألتنا تجديد النية في عمل مختصر لك، سهل المحمل قريب المأخذ .. ليكون إلى ذينك الكتابين مدخلا ... ).
- ومن شروحها الأندلسية: شرح أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد الحضرمي، المعروف باللَّبِيدي < تـ 440 > قال عياض في المدارك 7/ 254: ( .. وألف كتابا جامعا في المذهب كبيرا، أزيد من مائتي جزء كبار، في مسائل المدونة وبسطها، والتفريع عليها، وزيادة الأمهات ونوادر الروايات).
ونأتي الآن على ذكر الشروح المشهورة للمدونة، وتعد من عيونها، و قد احتفظت لنا المكتبات بكلها أو ببعضها والحمد لله:
- شرح ابن يونس: أبو بكر محمد بن عبد الله التميمي الصقلي، نزيل المهدية < تـ 451 > ويعرف بـ[الجامع] و [جامع ابن يونس] وكتب على طرة إحدى نسخه بالقرويين: [الجامع لمسائل المدونة والمختلطة وزياداتها ونظائرها وشرح ما أشكل منها وتوجيهه والفرق بينه وبين ما شاكله، مجموع بالاختصار وإسقاط التكرار وإسناد الآثار من أمهات الدواوين للأئمة المالكية] كما في فهرسه خزانة القرويين 1/ 342 – 343.
وهو من الكتب المعتمدة في المذهب، قال في < بو طليحية >:
واعتمدوا الجامع لابن يونس - - وكان يدعى مصحفا لكن نسي
وصاحب الجامع – رحمه الله – واحد من الأربعة الذين عوّل العلامة خليل في مختصره على ترجيحاتهم.
¥