ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[04 - 03 - 06, 05:23 م]ـ
ومن أجل الأعمال حول المدونة، والتي وصفت بكونها شرحا لها - وكان حقه أن يذكر ضمن التعاليق الآتية -؛ كتاب [التنبيهات المستنبطة في شرح مشكلات المدونة والمختلطة] وفي بعض نسخه إضافة [وتقييد مهملاتها، وشرح غريب كلماتها، وبيان اختلاف رواياتها، وإصلاح الغلط والوهم الواقع في بعض رواياتها] للقاضي أبي الفضل عِياض بن موسى بن عياض اليَحْصُبِي < تـ 544 > جمع فيه ـ رحمه الله ـ بين طريقتي العراقيين والقرويين في دراساتهم للمدونة وشرحها، كما سيأتي بيانه لاحقا ـ إن شاء الله ـ.
قال في مقدمته: (الحمد لله الذي منّ علينا بفضله العظيم ... وبعد فإن أصحابنا من المتفقهة ـ أسعدنا الله وإياهم بتقواه ـ رغبوا في الاعتناء بمجموع يشتمل على شرح كلمات مشكلة، وألفاظ معطلة، مما اشتملت عليه كتب المدونة والمختلطة، اختلفت الروايات في بعضها، ومنها ما ارتج على أهل درسها وحفظها، وربما اختلف المعنى لذلك الاختلاف فحمل على وجهين، أو تحقق < تحقيق > الصواب أو الخطأ في أحد < آخر > اللفظين، وفي ضبط حروف مشكلة على من لم يعتن بعلم العربية والغريب، وأسماء رجال مهملة، لا يعلم تقيدها< تقييدها > إلا من تمم < تهمم > بعلم الرجال والحديث ... ).
والتنبيهات ـ بحق ـ من درر القاضي عياض ـ رحمه الله ـ حيث أفرغ فيه ما حباه الله به من علم ومعرفة، قال الشيخ محمد ولد أباه الشنقيطي يصفه: (فلم يقتصر في ـ التنبيهات ـ على الجانب الفقهي، فشملت أبحاثه كل ما يعنى به المدرس الموسوعي من تحقيق النص، وتصويبه، ومن تصحيح الأسانيد، وضبط رواتها، وتقويمها، ... مع التعاليق الفقهية الضرورية، فجاءت كمجموعة من الدروس الشاملة لا غنى عنها لمن يرغب في استجلاء ذخائر أم المذهب المالكي). نقله الدكتور: محمد إبراهيم أحمد علي في [اصطلاح المذهب عند المالكية] صـ 335.
وهذا جزء من عمل القاضي عياض في التنبيهات، أنقله بدون مقابلة أو تصحيح قال:
مسألة: (القراءة في الوتر) يقال: بفتح الواو وكسرها، تكلم في الكتاب فيما يقرأ في ركعة الوتر، ولم يجد ذكر لما يقرأ به في شفعها في الكتاب، وتكلم في ذلك في غير الكتاب، فقال مرة: ما عندي فيه شيء يقرأ به، واختاره مرة ما روى عنه ـ عليه السلام ـ وخيّره ابن حبيب ووسع عليه في الجميع، وهذا كله في الشفع إذا كان مفردا عن غيره، ولم يتقدما بنفل يتصل به، فأما إذا اتصل به تنفل قبله، فلا تتعين له قراءة ولا عدد جملة، وللمصلي حينئذ أن يوتر بواحدة يصلها بنفله، إذ الوتر عندنا واحدة، وإلى هذا ذهب القاضي أبو الوليد الباجىّ، وغيره من متأخري مشائخ المغاربة، وهو مبنىّ على أصل المذهب، واحتج للصواب، وخالف في هذا بعض مشائخ القرويين، ولعله في الكتاب إنما تكلم على ذلك لأنه: أجراهما مجرى سائر النوافل في القراءة، إذ الوتر المسنون إنما هو عندنا واحدة فقط، ومما يتبين ما قلناه اختلاف قوله: فيمن تنفل في ليلته ونام، ثم قام لوتره، هل يحتاج إلى شفع قبله أم لا؟ وإنما اختلف قوله بعد:- (ما بين النفل والوتر) فمرة رءاه ذلك يجزي، وليس فيها تخصيص شفع لوتره، ومرة راعى انقطاع الوتر من النفل قبله وبعده عن الشفع، فرأى إعادته، وشهد لهذا قول ابن حبيب في الشفع الذي قبل الوتر، أقل ذلك: ركعتان وأكثره: اثنىْ عشرة ركعة، فلم يميز للوتر من ذلك عددا مخصوصا، وإنما أشار إلى صلاة ليلة ونافلة قبلها، وتخريج اللخميّ: الخلاف في عدد ركعات الوتر من مسألة قيام رمضان، غير صحيح، وسيأتي الكلام على ذلك في وضعه من كتاب الصوم ـ إن شاء الله ـ.
وعاصم بن ضَمِيرة، بفتح الضاد المعجمة وكسر الميم، وخالد بن ميمون الصُّغْديّ، بضم الصاد المهملة، وسكون الغين المعجمة، ودال مهملة، منسوب إلى بلاد الصغد، مما وراء خراسان، وهى بلاد سمرقند وجهاتها، ويأتي في باب الجمعة هارون بن عنترة السَّعْديّ، بفتح السين، وسكون العين المهملتين، منسوب إلى بني سعد).
وللتنبيهات نسخ متعددة في خزائن الكتب بالمغرب وغيرها، وقد جاء الخبر منذ سنوات أنه في طريقه للطباعة، ولكن لم نر شيئا إلى يومنا هذا ... أما تحقيق نصه؛ فقد قام به بعض الأساتذة بالمغرب الأقصى، و تم قسم الكتاب بين جماعة من الدارسين بطرابلس الغرب لتقديمه لنيل الشهادة العالمية (الماجستير)، ولا أدري إلى أي مرحلة من العمل وصلوا.
والذي ينبغي أن يلاحظ في الكتاب أن مباحثه دقيقة .. لأنه يتعامل مع ضبط الألفاظ والأعلام .. وتصحيح الروايات .. ومن شأن مثله أن يحتاج لمزيد عناية ودقة .. ومراعاة كل كلمة .. فقد قال الإمام الرجراجي في [مناهج التحصيل] ج1 لوحة 3أ من نسخة دار الكتب، وج1 لوحة 2ب من نسخة القرويين: (ولم يصل إلى هذا المغرب الأقصى في هذا الزمان كتاب في شرح المدونة، يشفي العليل علته، ويروي الغليل غلته، إلا كتاب (التنبيهات) لأبي الفضل عياض، غير [أنه] تناهبته أيدي الطلبة، وقعدوا عليه حتى لا يقدر (توجد) فيه على النسخة الصحيحة، بل تسلطت عليه أقلام من لا يعرف كيف يمسكها، فمسخوه وهم يظنون أنهم نسخوه، حتى لا يوجد منه شيء يعول عليه، إلاّ فطنة ذكية، ورواية زكية، (فبالعسى) يظفر منه بالمقصود، إذا أمعن النظر في المدونة، مع توفيق يعضده، والتوفيق بيد الله يؤتيه من يشاء).
وهذا شئ غير مستغرب مع مثل هذا الكتاب الذي تقدم بيان طريقة عمله، وهدف مؤلفه بجمعه ... فاللهم وفق القائمين عليه لحسن إخراجه، فهو من الأعمال المهمة جدا لمن يقرأ المدونة ويدرسها، فلو قدر للمدونة أن تخرج محققة تحقيقا علميا؛ فينبغي أن تزين حواشيها بتنبيهات القاضي عياض ـ رحمه الله ـ كما يستحسن أن يوضع بين يديها [مقدمات] ابن رشد الجد ـ رحمه الله ـ محققا، فذاك لضبط رواياتها وألفاظها وأعلامها .. وهذا لحوصلة فقهها، وجمع قواعدها ونظائرها .. وبيان جموعها وفروقها ...
¥